الغيب ، وسكناه من فوران الأحوال ، وتغاير التلوين ، وبلّغناه حقائق الصحو ؛ ليكون كهفا لغرباء المعرفة ، والمسترشدين من أهل المحبة ، وليعرفه بعد تمكينه حقائق المكاشفات ، وتأويل لطائف المنامات ، وما يبرز من الملكوت في اللبس المجهولة من تصرف الملائكة ، وقوله : (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) : إن كان إنهاء راجعه إلى يوسف عليهالسلام ، هو تعالى المتولي على أمر يوسف عليهالسلام ؛ بأن خلّصه من مكان الامتحان ، وبلّغه إلى درجة الرضوان ، وبأن نجاه من فتنة الطغيان ، وورطة الحرمان ؛ بأن كشف له البرهان والسلطان حين مكر به الشيطان ، خلصه من كيد الحساد ، وجعله قبلة الأوتاد ، والله غالب على أمره حين دبّر يعقوب عليهالسلام في حقه ما دبّر ؛ ليعرفه غلبة سلطان قهره واستيلاء تقديره على تدبيره غالب على أمر يوسف عليهالسلام ؛ حين برّأه من آفة شهوة زليخا حين همّت به وهمّ بها ، قال تعالى : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ).
وأيضا : والله غالب على أمره على أمر عشقه ، وعشق زليخا ؛ لأنّ مكان العشق ممزوج بطباع الإنسانية ، وإن كان صرف العشق من زند نعوت عشق الأزل ، فكشف له سلطنة الكبرياء ، وخلّصه بالكبرياء من مقام العشق الممزوج بطبع البشر ؛ كأنه غلّب الصفة على الصفة ، وإن كان الهاء راجعا إلى الله سبحانه.
فيه إشارة لطيفة : إنّ أمره من عالم الفعل ، والأحكام والرسوم الشريعة والطريقة ، والعقول مكلفة به ، أمر رسما وغلب قهرا أمر بالشريعة ، وغلب مقادير الأزلية أمرا أمرا ، وغلب على أمره بنسخه وتبديله أمر يوسف عليهالسلام بالتبرؤ من الأغيار ، وبألا يلتفت إلى الحدثان في مكان العرفان ، لكن غلب جلال قدره ، وانكشف ليوسف عليهالسلام في وجه زليخا ، فأظهر القدس ، وجرّه بالقدس إلى الهمة ؛ ليذيقه حلاوة عشق الإنسان ؛ ليفوز به عشق الرباني ، ومن هناك رقاه إلى مدارج ملك الازال والاباد ، ومن لم تكن بدايته عشقا كان من المجاهدين لا من العارفين ، لا بأن العشاق طاروا إلى جناب مشاهدة الحق ، وإنّ العشق مركب عشقه ، والعشق من عشقه صدر ؛ لأنه كان عاشقا في الأزل ، وعشقه معادن جميع عشق العشاق.
قال تعالى : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة : ٥٤] : كما أنّ حسن يوسف وزليخا وجميع الحسن في العالم انشعب من حسنه وجلاله وجماله ، كأنّ عشقه غلب على أمر العبودية ؛ لأن العشق صفة الربوبية ، ولم يكن عجبا غلبة الربوبية على العبودية.
وأيضا : ما دام الأمر خارجا عن أماكن الأفعال وصار صرف الصفات فهو غالب على جميع الحدثان ، وتدبير أهل العرفان ؛ لأنّه واحد في ملكه ، أحد في ملكوته ، والكائنات خاضعة فانية لجبروته.