يوسف عليهالسلام لم يبق في نفسه من شهوة الإنساني أثر من استيلاء أنوار التوحيد ، وفرّ من موضع الخطر.
قال الله تعالى : (وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ) : لما بدأ ليوسف أوائل سطوات الأزل وأنوار كشف تجلي الأبد لم يحتمل أوائلها ، وعجّل سرّه في أول بديهة التوحيد ، فرّ من أماكن الخطر ، ولو صبر حتى غاص في بحر الوحدانية لم يحتج إلى الفرار إلى الباب ، وإن تمكن في رؤية الحق وبرهانه وسكن ونظر إلى زليخا بنظر التوحيد لتذوب زليخا بنظره إليها ، والتقديس من شهواتها ؛ لأن حقيقة التوحيد إذا غلبت نادت إلى فناء ما دون الله ، وتأثر في كل ناظر إلى صاحبها بألّا يبقى فيه أثر للشهوة الإنسانية ، ولمّا لم يكن كذلك ما أثّر في زليخا حتى عدت خلفه إلى الباب وقدّت قميصه ، ولو كان يوسف مستغرقا في أواخر التوحيد لاحترقت زليخا ، وما قدرت أن تعدو خلفه ، وتمزّق قميصه ، كان يوسف في أوائل التوحيد ، وزليخا في أواخر العشق ، فلم يؤثر التوحيد في العشق ، وتخريقها ثوب يوسف من غلبة عشق الإنساني على عشق الروحاني ، ولمّا خرقت قميصه من عشق الإنساني ، صار تخريق القميص برهانا ليوسف عليهالسلام شاهدا على صدقه.
قال بعضهم : لو فرّ إلى الله والتجأ إليه لكفى ، لكنه لما هرب منهما وفرّ بنفسه أكمل نفسه محل التهمة حتى قالت : (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً) ، فلما نصّب الله البرهان وطرد الشيطان فدخل عليها زوج زليخا ورأى حالهما العيان.
قال تعالى : (وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ) : أضاف اسم السيد إلى زليخا ؛ لأن الله سيد يوسف عليهالسلام حقيقة ؛ لأنّه كان حرّا بالتوحيد وحرّا بالتفريد ، وكذا على ظاهر الشريعة ، وما أطيب العشق إلى أن يؤول إلى الشفاعة! فإن عيش العاشق في الملامة أطيب.
قيل في قوله : (وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ) : لم تقل : سيدهما ؛ لأن يوسف عليهالسلام كان في الحقيقة حرّا ، ولم يكن العزيز له سيدا ، فلمّا أفشى سر العشق بينهما وأطلع زوجها على سرها نفت عن نفسها الحرام ؛ لأنها علمت أن لو بيّن جرمها عند زوجها لقتلها وأوقعت من حلاوة ومحبة يوسف والنظر إلى وجهه ، كذلك أوقعت الحرام على يوسف عليهالسلام :
لحبّك أحببت البقاء لمهجتي |
|
فإن طال أن أعرضت عني بقاؤها |
ولعلمها بأن يوسف عليهالسلام لم يبق في الضر والبؤس والمؤاخذة ، ولا يقدر أحد أن يؤذيه ، ومن يقدر أن يضره ووجهه سالب القلوب وجالب الأرواح ، أغاب العالم بعينيه ، سبى الأرواح والأشباح بحسنه وجماله. وتسبي العالمين بمقلتيها.
لها في طرفها لحظات سحر |
|
تميت بها وتحيى من تريد |