وقوله كذلك : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ) : إن وضع سمات الفحش والسوء على أسرار تالف الأرواح والأشباح وحركات بعضها إلى بعض بنعت المحبة والألفة والمودة والهوى والشهوة ، إنها عالم الامتحان والأمر والتكليف والعبودية ومخالفة الأمر سوء وفحشاء من حيث العلم والعقل ، وفي الحقيقة ليس هناك علة الفحش والسوء ؛ لأنها مواضع المقادير الأزلية.
وأيضا : إذا بقي العارف في الترقي والوسائط والالتباس عن توحيد الصرف بقي في الحجاب عن رؤية كنه القدم وقدس الأزل ، وذلك الاحتجاب سوء وفحشاء ، وأي سوء وفحش أعظم من الوقفة في بعض الطريق والانقطاع عن الوصول إلى الكل وأصل الأصل ، وإذا كانت معالي هيبته العلية علت على جميع المقامات وبلغت إلى رؤية الذات والصفات بنعت الفناء والبقاء ، ذكر سبحانه امتنانه عليه بعد وصفه بتقديس إخلاصه.
وقال : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ) أي : من أهل الكمال من الموحدين والنبيين والمرسلين.
قال ابن عطاء : همّت به همّ شهوة ، وهمّ بها همّ موعظة بزجرها عما همّت به ، وقال : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) ، قال : واعظا من قلبه ، وهو واعظا لله في قلب كل عبد.
وقال أيضا : همّت به وهمّ بها ، احتالت زليخا أن تري نفسها ليوسف ، فحجب الله نفسها عن يوسف بالبرهان العالي والحق الظاهر ، حتى لم يشهد في وقت ذلك غير الحق ، وقال : (وَهَمَّ بِها) أي : نظر إليها لو لا ما صدّه عن ذلك من حجاب البرهان.
وقال الجنيد : يحرك طبع البشرية من يوسف عليهالسلام ، ولم يعاونه طبع العادة ، والعبد في تحريك الخلقة فيه غير مذموم ، وفي هيجان الشهوة مذموم ، وفي مقاربة المعصية ملوم ، وذكر الله تعالى عن يوسف عليهالسلام همه على طريق المحمدة لا على طريق المذمة.
وقال ابن عطاء : قالت زليخا ليوسف عليهالسلام : اصبر عليّ ساعة حتى أعود إليك ، فقال : ما تفعلي؟ فقالت : أغطي وجه الصنم ؛ فإني أستحيي منه ، فتذكّر يوسف عند ذلك اطّلاع ربه عليه ، فهرب منها ، فذلك البرهان.
قال أيضا : السوء الخواطر الرؤية ، والفحشاء بالأركان.
قال محمد بن الفضل : السوء بالتفكر ، والفحشاء بالمباشرة.
قال أبو عثمان : لنصرف عنه سوء الهم وفحشاء المواقعة.
قال الجنيد : أول ما يبدأ من الإخلاص في أحوال الأولياء خلو من سرائرهم وهمهم وإرادتهم ، ثم خلوص أفعالهم ، فمن لم يخلص سره لا ينال الصفاء في فعله ، فلما رأى ما رأى