ألا يا نسيم الريح ما لك كلما |
|
تقربت منا زاد نشرك طيبا |
أظن سليمي أخبرت بسقامنا |
|
فأعطتك رياها فجئت طبيبا |
وحكمة إلقاء القميص على الوجه أن قميص الحبيب لم يكن له موضع إلا وجه العاشق ؛ لذلك قال : (فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي) ، وفي موضع يضع العشاق تراب قدام المعشوقين على عيونهم ؛ كيف لا يضعون قميص الأحباب على وجوههم؟
وفي الحديث المروي : إن النبي صلىاللهعليهوسلم إذا رأى وردا أو باكورة قبّلها ، ووضعها على عينيه ، وقال : «هذا حديث عهد بربه» (١).
قال النهر جوري : ألقى على وجهه نور الرضا ؛ فارتد يبصر مواقع القضاء.
وقال بعضهم : لما جاء البشير من الله بالصلح منه في بكائه ، والتأسف على غيره ورد يوسف عليهالسلام إليه.
وقال سفيان : لما جاء البشير إلى يعقوب عليهالسلام قال له يعقوب عليهالسلام : على أي دين تركت يوسف عليهالسلام؟ قال : على الإسلام ، قال : الان تمت النعمة.
ولما عاينوا معجزة أبيهم ، وعرفوا مواضع الخطأ في فراستهم اعتذروا بقوله : (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ) أي : استغفر لنا ما قصرنا في واجب حقوقك ، وما بدا منا من إعلام عقوقك ، وقلة معرفتنا بنور فراستك ، وما يئول عواقب أمور يوسف عليهالسلام من شرف المنازلات والمقامات والنبوات والرسالات ، وأيضا استغفر لنا تضييع أوقاتنا في متابعة هوائنا ، واحتجابنا من رؤية ذنبنا ، وما أطيب حال الندامة ؛ لأن منها يتولد أنوار الكرامة.
قال بعضهم : أزل عنا اسم العقوق بإظهار الرضا عنا.
قال بعضهم : استغفر لنا ذنوبنا إليك وإلى يوسف عليهالسلام.
وقال بعضهم : في قوله : (إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ) : جاهلين بأن الله يحفظ أولياءه في المحن.
قوله تعالى : (قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) إن يعقوب عليهالسلام كان عالما بالله وأخلاقه العظيمة ، وبصفاته المنزهة ، وبالأوقات التي هو تعالى يقبل توبة المذنبين ، ويغفر ذنوب الخاطئين ، ويستجيب دعوة المضطرين ، وهو وقت تضوع مسك نفحات شمال وصلته في أرواح المقربين ، وفؤاد الصادقين ، وقلوب العارفين ، وأسرار الموحدين ، وعقول المحبين ، ونفوس المريدين ، وهم يعرفون منه مكان قبول التوبة ، واستجابة
__________________
(١) رواه البيهقي في «الدعوات الكبرى» (٢ / ١٩) ، وابن السني في «عمل اليوم والليلة» (٢ / ٣١) بنحوه.