الدعوة ، وعلامتها اقشعرار جلودهم ، ووجل قلوبهم ، واضطراب صدورهم ، وفوران عبراتهم ، وهيجان أسرارهم ، ووقوع نور التجلي في صميم أفئدتهم ، وطيران أرواحهم في رياض الملكوت ، وأنوار الجبروت ، وهي ترى نسيم صبح الوصال بنعت الرضا عند منازل الثناء ، وكشف نقاب النقاب ، وأكثر ذلك وقت الأسحار عند تجافي جنوب الأبرار عن مضاجعهم ، وانتباههم بركضات عساكر التجلي ، وعرائس التدلي حين ينزل بجلاله من هواء القدم إلى عروش البقاء تعالى الله عما أشار إليه أهل الخيال.
قيل في التفسير : أخر على السحر من ليلة الجمعة.
قال ابن عطاء : إن يعقوب عليهالسلام قال : ارجعوا على يوسف عليهالسلام ، واسألوه أن يجعلكم في حل ، ثم أستغفر لكم إن الذنب بينكم وبينه.
قال بعضهم : سوف أسأل ربي أن يأذن لي في الاستغفار لكم لئلا يكون مردودا فيه ، كما ردّ نوح عليهالسلام في ولده بقوله : (لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ).
قال الأستاذ : وعدهم الاستغفار ؛ لأنه لم يتفرغ من استبشاره إلى استغفاره.
قوله تعالى : (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ) آوى إليه أبويه ؛ لأنهما ذاقا طعم مرارة الفراق ؛ فخصهما من بينهم بوصاله وتدانيه يوم التلاقي ، هناك يتبين تباين منازل الصديقين في المحبة ، ومراتب المحبين في الوصلة.
قال الأستاذ : اشتركوا في الدخول ، ولكن تباينوا في الإيواء ؛ فانفرد الأبوان به لبعدهما من الجفاء ، كذلك غدا إذا وصلوا إلى الغفران يشتركون فيه ، وفي وجود الجنان ؛ ولكن يتباينون في بساطة القربة ؛ فيخص به أصل الصفاء دون من اتصف اليوم بالالتواء ، ولما بان حالهما في الإيواء ظهر قدرهما في بساط المؤانسة ، ومجلس القربة بقوله : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ).
قال ابن عطاء : رفع من محلهم بمقدار حزنهم كان عليه وأسفهم ، ولم يرفع من أخوته لسرورهم بإتلافه وكذبهم عليه بأنه (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ).
قال محمد بن علي : من دفع من مريد فوق ما يستحقه أفسد عليه بذلك إرادته ؛ لأن بعض الصحابة ذكر عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «أمرنا أن ننزل الناس منازلهم» (١).
ورفع يوسف عليهالسلام أبويه على العرش ، ولم يرفع إخوته ، أنزل كل واحد منهم حيث يستحق من منزلته.
__________________
(١) رواه مسلم (١ / ٦) ، وأبو داود (٤ / ٢٦١) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٧ / ٤٦٢).