قال الجنيد : ذهب العجب بقوة سلطان العجب كل العجب من العجب ألا تعجب ، قال الله : (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ).
قال الحكيم الترمذي : ليس العجب من العجب ممن يتعجب من العجب إذ لا عجب.
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (٧) اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (٨))
قوله تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) وصف الحق أهل الدعاوي حين تعجلوا بالمجاهدات والرياضات ، واستقبالهم باليات الطريقة قبل ذوقهم شرف الأحوال ، ووصولهم إلى طعم المواجيد البديهية من الحق بلا علة الاكتساب ، وبروز لمعات الغيب في أسرارهم التي يتولد منه صدق الإرادات في المعاملات ، وذلك لأنهم جميعا حيث أهل الكرامات فتمنوا جاههم عند الخلق ولا ينعقد لهم صدق النية في طريقهم ؛ فلا يفتح الله عليهم إلا طريق الهوى والنفس والشهوات وحب الجاه والمال ، وعاقبهم الله بسقوطهم عن قلوب الخلق كما فعل سبحانه بأهل الرياء والسمعة بقوله تعالى : (وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ).
وقال جعفر في قوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ) أي : بالعقوبة قبل العافية ، ثم بيّن أن من سبق لهم العناية من المريدين يسامحه بلطفه ، حيث نزل قهر قدمه في مهوات طبيعته بقوله : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) ظلمهم مخالفة عقائدهم واتباعهم هواهم بعد معرفتهم أفات النفوس.
قال بعضهم : إن ربك ليستر على أودّائه ما أظهروا من المخالفات من ظلمهم أنفسهم باتباع هواها والسعي في موافقة رضاها.
قال أبو عثمان : إنما يرجوا المغفرة من الله من يرتكب الذنوب على خطر وخوف وحذر لا من يفتخر فيها من غير مبالاة.
قوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) أي : أنت منذر المريدين من عقوبة الحجاب ، ومنذر المحبين من مواراة العتاب ، ومنذرين العارفين من صولة الإجلال والخجل والحياء في مشاهدة الكمال ، ولهؤلاء لكل واحد منهم هو بجلاله تعالى معرفة له طريقة إليه ، ويوفقه بما اختار له في الأزل ، أي : أنت منذر مخبر عنا ونحن نهديهم إلينا ، لأنك شفيع الجنابة