لا شريك القدرة ، وأيضا لكل قوم لكل طائفة من أهل المعرفة شيخ يعرفهم طريق الحق ، ولا بأس بأنه فعل الله ، وفعله ميراث صفته ، وصفته قائمة بذاته ، كأنه هو من حيث عين الجمع ، ألا ترى إلى قوله لصفيه عليهالسلام : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى).
قال ابن عطاء : إنما أنت مخبر عنا بصدق ما أكرمناك به عن القرب والزّلف.
قال بعضهم : إنما أنت قائم بنا داع إلينا ، فالسعيد من أطاعك وقبل منك ، والشقي من عصاك وأعرض عنك.
قوله تعالى : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) وصف إحاطة علمه القديم في القدم على كمية كل مقدور قبل ظهوره من العدم ، فاستوى علمه القديم بمقادير يوما أوجدها بعد عدمها ؛ بحيث لا ينقص مثقال ذرة ، إذا لا نقص في عز ربوبيته وإحاطته بمقدوراته ، اصطفى سلاك مسالك معرفته ، ومحبته بمقدار اختياره الأزلي قبل اصطفائيتهم ، فكلهم يسلكون بمقادير المعرفة السابقة والاصطفائية ، وأصل الحقيقة من قوله تعالى : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) أي : بقدر ، وعزوا بشرف ، إذ الكل منه يبدوا ، وقدرها من قدره ، وشرفها من شرفه ، وأيضا أي كل شيء عنده لفظات بيد قدرته ، ولها حد ومقدار ؛ لأن من أوصاف الحدثين الحدود والنقصان ، أي كل شيء محدود مقدور لإجلال قدر القدم.
قال الحسين : كل ربط بحده ، وأوقف معرفته ، فلا يجاوز قدره إلا من يعدو طوره.
قال بعضهم : كل شيء بوزن ومقدار ، ومن لم يزن نفسه ولم يطالع أنفاسه فهو في حيز الغافلين ، ومن لم يعرف مقداره وقدر عظيم النعمة عنده أعجب بنفسه ، أو بما يبدو منها.
(عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (٩) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (١١))
قوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) هذا تصديق ما ذكرنا في قوله : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) لأنه كان عالما قبل كون المقدور الغيبي ، وعالما بعد كون المقدور حين يبدو في عالم الملك والشهادة ، وأيضا عالم ما أسرار العارفين من عجائب كشوف أنوار عزته ، والرقاب فؤادهم من الاشتياق إلى جماله ، وعالم بشهادة شهودهم في حضرته بوصف الزفرات والتأوه والعبرات ، الكبير من أن يدركه الأبصار ، المتعالي تعالى كبرياؤه من أن يبقى عند سلطان كبريائه آثار الأغيار بقوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا