وَجْهَهُ) (١).
قال ابن عطاء : العالم على الحقيقة من يكون الشاهد والغائب عنده سواء بالعلم ، لا بأن يستدل ، والعالم على الحقيقة هو الحق ـ جل وعلا ـ الكبير في ذاته المتعال في صفاته.
قال جعفر : كبر في قلوب العارفين محله ، فصغر عندهم كل ما سواه تعالى ، إن تقرب إليه إلا بصرف كرمه ، وما يجري على الظواهر بقوله : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) أي : من كتم دقائق حقائق المعرفة وأسرار لطائف الحكمة في قلبه ، ولم يتلفظها بلسانه من تمكينه ، وزيادة معرفته ومن جهر به بأن يتكلم من رأس سكرة هيجانه ، ويخبر بغيب ما غاب من المريدين ، ويشاهد خلوة الليالي ؛ حيث ينكشف أنوار النزول لنظار الملكوت ، وطلاب أنوار الجبروت ، أو يستر حاله في ليل الملامة ؛ إذ يظهر ما وجد في الخلوة في النهار منه الأبرار ، ويخفي كلام المعارف في شرب الأسرار عن نظر الأغيار ، فإنه تعالى لا يخفي عليه فرط خاطر المتكلم ، وهدوء سره من هيجان التلوين ، أو اختفاؤه بنعت الصدق والإخلاص ، وظهوره بوصف غلبة الوجد والحال ؛ فيقبل منه ما بدا منه ، ويزيد عليه إنعامه وإكرامه ، فإنه تعالى حافظ أوليائه ، حيث حازهم في حيز حفظه ورعايته وأنوار بهائه ، حتى يكون مستغرقا في نوره ، محفوظا بعيون ألطافه ، بقوله تعالى : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ).
قال النصر آبادي في قوله : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ) ما أودعنا فيه من لطائف برّنا ، وكتمه إشفاقا عليه ، وأظهره ونادي عليه سرورا به ، ومحبته له ، فإنهما جميعا من أهل الأمانة في محل الحقيقة ، أما المعقبات من بين يديه ومن خلفه ، فالإشارة إليها أن أنوار اصطفائيته الأزلية معقبات من خلفه ، وأنوار العناية الأبدية معقبات من بين يديه ، تحيطه وتحفظه جميعا من أمر الله ، أي من امتحانه في زمان العبودية ، وذلك قهره الذي يطارق العبد العارف كل وقت غيرة منه عليه ، فيكسره عساكر حسن عناية القديم ، وجنود أنوار لطائف الاصطفائية ، حتى لا
__________________
(١) أي كل شيء من الأشياء الموجودة في العين هالك من حيث تعيّنه الخاص إلا الوجه الذي يلي الحق ؛ وهو أحد وجهي الحقيقة الكونية التي هو الإطلاق على ما ذهب إليه أهل التفسير والتأويل ، وعلى هذا يدور سرّ قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) وكل من العرش والشرع مقلوب الاخر ، فكما أن الرحمة العامة مستوية على العرش المجيد العظيم ؛ فكذا الأمر التكليفي الشامل مستوية على الشرع الشريف ، ومحلّه في الحقيقة هو الإنسان الذي هو الكرسي ؛ لأن كلّا من الأمر والنهي إنما ظهر في العرش إجمالا ، ثم في الكرسي تفصيلا ، والروح.