يضربه القهر ، ويكون محروسا باللطف ، وذلك قوله سبحانه : (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) وتصديق ذلك قوله : «سبقت رحمتي غضبي» (١).
فسوابق رحمته تحفظه من غضبه.
قال بعضهم : المحفوظ بالأسباب محفوظ بالمسبب ، وأمره ، فالعلماء رأوا السبب ، والعارفون رأوا المسبب ، قال الله : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ).
قال ابن عطاء : الأسباب تحفظك من أمره ، فإذا جاء القضاء خلى بينك وبينه ، كيف يكون محفوظا من هو محفوظ من حافظه ، والمحفوظ على الحقيقة من هو محفوظ بالحافظة لا محفوظ من الحافظ.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) لله سبحانه المشيئة السابقة والامتحان ، فأما أمر المشيئة قائم بإرادته لا يتغير من شتان المشقة ، ولم يكن ذلك ملحقا بالأسباب ، وأمر الامتحان ملحق بأسباب العبودية ، ويكون العبد معانا بالقدرة القديمة من المشيئة السابقة عليه ، ومأمور بالتصرف فيه ، فإذا تحرك فيه سر القدر بتغير الحال فتغير ما به بقوة القدرة ، فيغير الحق سبحانه عليه ما يغير بنفسه من جهة القدرة وقوته مجازاة ، وكيف يكون العبد في القدرتين والمشيئتين قادرا بشيء؟ إنما ذكر الحق سبحانه على غرف الأسباب لإدراك فهوم الخلق ونظام العبودية ، فإذا ادعى المريد فوق حاله بما ادعى ، يغير عليه ما أعطاه ويشد عليه موارد القربة ، ويبقى في الامتحان والفرقة.
قال جعفر الصادق : لا يوفقهم لتغيير أسرارهم ، ولا يغير عليهم ولو وفقهم لتغيير الأسرار ومشاهدة الباري لذلوا وافتقروا ، فقالوا به النجاة.
وقال النصر آبادي : لكل قوم تغيير وتبديل ؛ ولكن لا يناقش العوام في التغيير والتبديل ، مثل ما يناقش عليه أهل الصفوة.
قال بعضهم : غيروا ألسنتهم عن حقائق ذكره فغيّر قلوبهم عن لطائف بره ، وغيروا أنفسهم عن معاني العبودية ، فغيّر قلوبهم عن دلائل الربوبية.
قال الواسطي : حذرهم ما أنزل بهم أن تغييرهم نعمة الله على أنفسهم ، وذلك من خذلان الله لهم ، فيزيد الله عليهم التغيير ، كما قال الله تعالى : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً).
وقال بعضهم : إن الله لا يحرم عبيده نعمة إلا إذا قصروا في شكره أو نسوه.
__________________
(١) سبق تخريجه.