ثم وصف سبحانه أهل كمال بيداء توحيده الذين قاموا عليه بشرط الفناء من مشاهدة قدمه ، ورؤية بقائه بالوجد والأحوال والزفرات والعبرات والفناء والبقاء بقوله : (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ) الرعد هاهنا شهقات الصديقين من الوجد والهيجان في بحار العظمة من وقوع أنوار تنزيه القدم في قلوبهم ؛ فرعد شهقاتهم لسان الربوبية تقدس ساحة كبريائه عن غار حوادث الحدثان والملائكة أرواح العارفين وهي فانية من إجلال عظمته ، ناطق ينطق أزليته بوصف ديموميته ، وإذا أشرق شوامخ القدم والبقاء من طلوع شمس الذات والصفات ؛ فيقع صواعق الكبرياء على أهل التجريد والتغريد ، فيفنيهم عن الحدثان وتحرقهم عن نفوسهم ؛ هكذا يفعل بهم سطوات القدوسية وسبحات الألوهية غيره على مشاهدة القدم.
قال ابن البرقي : في هذه الاية يريكم أنوار محبته فمن خائف في استنارة وطامع في تجليه.
وقال أبو علي الثقفي : ورود الأحوال على الأسرار كالبروق لا يمكث بل تلوح ، فإذا لاح فربما أزعج من خائف خوفه وربما حرك من محب حبه.
قال أبو بكر بن طاهر : خوفا من اعتراض الكدورة في صفا المعرفة ، وطمعا في الملازمة في إخلاص المعاملة.
وقال أبو يعقوب الأبهري : خوفا من القطع والافتراق ، وطمعا في القرب والاستباق.
وقال بعضهم : خوفا من عقابه ، وطمعا في ثوابه.
قال ابن عطاء : خوفا للمسافر ، وطمعا للمقيم.
قال ابن الزنجاني : الوعد صعقات الملائكة ، والبرق زفرات أفئدتهم ، والمطر بكاؤهم.
وقال الأستاذ : كما يريهم البرق في الظاهر ؛ فيرددهم بين خوف وطمع ، خوفا من احتباس المطر ، وطمعا في محبته ، وخوفا للمسافر في مجيء المطر ، وطمعا للمقيم في مجيئه ، كذلك يريهم البرق في أسرارهم بما يبدو فيها من اللوائح ثم اللوامع ثم الطوالع ثم كالبرق في الضياء ، وهذه أنوار المحاضرة ثم أنوار المكاشفة إلى المشاهدة ، ثم إلى الوجود ثم من قام الوجود إلى كمال الخمود.
ويقال : البروق من حيث البرهان ، ثم يزيد فيصير كأقمار البيان ، ثم يصير إلى نهار الفرقان ؛ فإن طلعت شموس التوحيد فلا خفاء بعده ولا استئثار ولا غروب لتلك الشموس.
كما قيل : هي الشمس إلا أن الشمس غيبة ، وهذا الذي يفنيه ليس يغيب.