ويقال : يبدو لهم أنوار الوصل ؛ فتخافون أن يجن عليهم ليالي الفرقة.
قيل : ما تجلوا فرحة الوصال من أن يعقبه رجّة الفراق.
كما قيل :
أيّ يوم سررتني بوصال |
|
لم ترعني ثلاثة بصدود |
وقال الأستاذ في قوله : (وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) إذا أنشئت السحابة في السماء أظلم في الوقت الجو ، لكن يعقبه بعد ذلك ضحك الرياض ، وما لم يبك السحاب لا يضحك الرياض.
كما قيل :
غمامة في السماء تبكي |
|
والأرض من تحتها عروس |
كذلك تنشئ في القلب سحابة الطلب ؛ فيحصل للقلب تردد الخاطر ، ثم يلوح وجه التحقيق فيضحك الروح بفنون أنوار الأنس وصنوف أزهار القرب.
وقال في قوله (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) : قد يكون في القلب حنين وأنين وزفير وشهيق والملائكة ، إذا حصل لهم على قلوب المريدين خصوصا اطلاع يبكون وما لأجلهم لا سيما إذا أوقع لواحد منهم فترة ، والفترات في هذه الطريقة الصواعق التي تصيب بها من يشاء ، وما قيل ما كان أوليت من وصلنا إلا سراجا لاح ثم انطفئ.
(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (١٤) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (١٥))
قوله تعالى : (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ) دعوته الحق مناداته في الأزل ، نبعت محبته وشوقه إلى أرواح المحبين والعارفين ؛ فاستجاب بإجابته المحبة والشوق إليه ، وأيضا له دعوة الحق على لسان الصديقين يدعون بها المسترشدين إلى مشاهدة جماله ، حين وصفوا جلاله وجماله ليبدو في قلوبهم آثار محبته ، وهذه الدعوة سالمة من معينة الهلاك ، وما سواها من الدعوة ؛ فهو دعوة صاحب النفس والجهل من رأى الرياء والسمعة لا يفضي إلا إلى الاحتجاب والعمى عن طريق الصواب.
قال الله : (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) أي : وما دعاء المرابين من أصحاب النفوس والهوى إلا في ضلال عن طريق الحق والإخلاص.