قال ابن عطاء : أصدق الدعاوي دعاوي الحق ؛ فمن أجاب داعي الحق بلغه إلى الحق ومن أجاب داعي النفس رمي به إلى الهلاك.
قال بعضهم : داعي الحق من يدعو بالحق إلى الحق.
وقال جعفر : من دعي نفسه فاني نفسه داعي ، وهو الكفر والضلال ، وذلك محل الخيانة والإسقاط من درجات من أهل الأمانة ؛ فإن الدواعي يختلف داعي الحق وداعي إلى الحق وداعي إلى طريق الحق ، كل هؤلاء دعاة يدعون الخلق إلى هذه الطريق لا بأنفسهم ؛ فهذه طرق الحق وداعي يدعو بنفسه ، فإلى أي شيء دعي فهو ضلال.
وقال الأستاذ : دواعي الحق صارخة في القلوب من حيث البرهان ؛ فتدعو العبد بلسان الخواطر ، فمن استمع إليها بسمع التفهم استجاب ببيان العلم ، وفي مقابلتها دواعي الشيطان ، وهي موبقة للعبد تتزين المعاصي ؛ فمن أصغي إليها بسمع الغفلة استجاب بصوت الغي ومعها دواعي النفس ، وهي قائدة العبد بزمام الحظوظ ، ومن ركن إليها ولاحظها وقع في هوان الحجاب ، ومن الدواعي دواعي الحق بلا واسطة ملك ولا بدلالة عقل ولا بإشارة علم ؛ فمن اسمعه الحق ذلك استجاب لا محالة بالله لله.
وقال في قوله : (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) هواجس النفس ودواعيها تدعوا إلى ما في الطريقة شرك ، وذلك شهود شيء منك وحسبان أمر وتعريج في أوطان الفرق ، والعمى عن حقائق عين الجمع.
وقد وقع لي في زمان الصبا من هذا القبيل في دواعي الحق كلمات مسطورة ، وذلك بما تفحصت أسرار الخواطر ؛ فوجدت دواعي اللطف والقهر من الحضرة على سبعة أنواع ، دعوة الحق خاصة بلا واسطة ، ودعوة لمسة الملك ، ودعوة الروح ، ودعوة العقل ، ودعوة القلب ، ومن قبيل قهره دعوة النفس والشيطان.
والان أتمم عشرة الثلاثة الزيادة ، اثنان من قبيل اللطف ، والواحد من قبيل القهر ، الاثنان لسان السر ولسان أسرار السر ، والواحد لسان الفطرة الطبيعة ، وأما دواعي القهريات وأولها دواعي الشيطان وعلامتها النزع ، وهيجان النفس ، والطبيعة واحتراق الصدر ، وغمة في القلب غبار في عين الروح ، وخفة في النفس ، وانجذاب في الطبيعة إلى طلب حظوظ الشهوات ، وأكثر ما يلقي الوسواس ما يفضي إلى الكفر والكبائر ؛ فمن أجابت تزنّدق وهلك في أودية التشبيه والتعطيل والأهواء المختلفة ، والثاني هواجس النفس الأمّارة تدعو النفس والشيطان صاحبهما بلسان العلم إلى مهالك الرياء والسمعة.
وقيل : من يعرف ذلك المكر والخديعة ؛ فمن أجابها صار مرتهنا بالبطالة والكسالة