رابِياً) شبّه الله سبحانه أنزل الماء من السماء إلى الأودية بما نزل من مياه بحار أنوار ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله إلى قلوب الموحدين والعارفين والصديقين والمكاشفين والمشاهدين والعاشقين والمشتاقين والمحبين والموقنين والمخلصين والمتعبدين والمريدين ، وكما يحتل الأودية بضعفها ، وقوتها وضيقها ، وبسطها ماء المطر ، فكذلك تلك القلوب تحتمل مياه أنوار قاموس الكبرياء من الذات والصفات والأوصاف والنعوت والأسماء والأفعال بقدر حواصلها ، وأقدار استعدادها من المحبة والمعرفة والتوحيد ، وكما أن قطرات الأمطار يكون في الأودية سيلا ؛ فتحمل المسيل زبدا وحثالة ، وما يكون مانعا من جريان السيل في الأودية ؛ فكذلك يكون تواتر أنوار تجلي الحق يكون سيل المعارف والكواشف ؛ فتسيل من جداول القلوب أنهار العيوب ، فتحتمل من أوصاف البشرية ، وما دون الحق الذي يمنع القلوب من روية الغيوب ؛ فيذهب به عن صحاري القلوب وقيعانها التي هي أصدافهم العالية في طلب جواهر الحكم من بحار المشاهدة ، فتصير بعد ذلك صافية مقدسة من زبد الرياء والسمعة والشك والشرك والنفاق والخواطر المذمومة ، فيبقى القلوب في بحر المشاهدة سابحة في نور الأزل والأبد بلا علاقة ، ومانع من العرش إلى الثرى ، وذلك من بركة تجلي مشاهدة الله سبحانه التي بدت من الحق بلا واسطة ولا سبب ، كما أن المطر ينزل من السماء بلا سبب من أسباب الخلق ، ولا بعلة طلبهم بل محض فيض فياض القديم الأزلي على الذي ارتضى برضاه من أهل رضوانه في الأزل ؛ فمياه تلك البحار في أودية تلك القلوب ، بعضها من بحر الذات ، وبعضها من بحر الصفات ، وبعضها من بحر الأسماء ، وبعضها من بحر الأوصاف ، وبعضها من بحر النعوت ، وبعضها من بحر الأفعال ، فالذي من بحر الذات يجري في أودية قلوب الموحدين والعارفين والمنفردين والمتجردين ، ويذهب بما في قلوبهم من أوصاف الحدوثية ، وينبت أوراق ورد الربوبية من هناك يدعون الاتحاد ، ويولهون في الانبساط.
وأما الذي من بحر الصفات ؛ فيجري على قلوب العاشقين والمحبين والمشتاقين ، ويذهب منها أوصاف النفوسية ، وحثالة الطبيعة ، وينبت فيها نرجس الأنس وياسمين القدس ، ومن هناك يدعون السكر والهيجان والمواجيد.
وأما الذي من بحر الأوصاف والنعوت ؛ فيجري على أودية قلوب الموقنين والمشاهدين والمكاشفين ، ويذهب منها غبار الخطرات وزبد الهواجسات ، وينبت فيها رياحين الدقائق والحقائق.
وأما الذي من بحر الأسماء ؛ فيجري على أودية قلوب المخلصين والمتعبدين ، ويذهب منها وسواس الشيطان والميل إلى الحدثين ، وينبت فيها زهر الحكمة والفطنة.