وقوله تعالى : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) أشار سبحانه إلى قلوب أوليائه الذين يسمعون بأسماع أرواحهم وقلوبهم وعقولهم وأسرارهم كلام الحق سبحانه من الحق بلا واسطة ؛ فيعرفون مكان نزول القرآن على سيد المرسلين ، وإمام المتقين ـ صلوات الله عليه من الله سبحانه بمكان سماعهم كلام الحق من الحق ، ويعلمون صدقه في رسالته بما شاهدوه من براهين صفات القدم ، ليسوا بمقلدين من حيث طباعهم وإيمانهم الفطري ، إنما هو صفة أهل الظاهر من أهل التقليد الذين سماهم العوام بانتسابهم إلى العمى ، ولا يعلم حقيقة ذلك إلا أهل النهى من العارفين بقوله : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ).
قال الشبلي : من استدل عليك بربه ليس كمن يستدل بك على ربه ، وليس من تحقق بما أنزل إليك من جهة الحق كمن يحققه من جهتك وليس من شاهد جيء أن الأشياء في الأزل كمن شاهده في وقت ظهوره.
وقال الأستاذ : أي : لا يستوي البصير والضرير ، والقبول بالوصلة ، والمودة بالحجة ، والمؤهل للتقريب والمعرف للتعذيب.
ثم وصف العلماء بالله القائمون بشرط الوفاء مع عهد الأزل بقوله : (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) عهد الله مع الصديقين ما عاهد أرواحهم في مشاهدة الأزلية ، حيث عشقها بجمال وجهه فوفوا ميثاق العشق بالعشق ، والعجب كيف يطيق العاشق أن ينقض عهد معشوقه ، وعشقه صار روحه ، ومن يطيق أن يفارق روحه ، فوفاؤهم معه لزومهم على جناب عزته بنعت الفناء في عبوديته.
قال بعضهم : الموفون بعهدهم القائمون له على شروط العبودية من اتباع الأمر والنهي.
قال ابن عطاء : لا ينقضون الميثاق الأول في وقت يلي أنه لا رب لهم غيره فلا يخافون غيره ولا يرجون سواه ولا يسكنون إلا إليه ، ثم ناد سبحانه في وصفهم بوصولهم مراده منهم في طاعته بقوله : (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) أي : الذين يصلون بأسرارهم مشاهدته وقربته ، ويخشونه به حيث وقعوا بقلوبهم في بحر إجلاله ، ويخافون من عتابه ودقائقه معهم في تغيير إياهم في حركات ضمائرهم ، بأن يميل إلى غيره.
وقال ابن عطاء : الذين يديمون على شكر النعمة ومعرفته منه المنعم لدوام النعمة إليهم