تطمئن بذكر من لم يؤمنهم بل خوفهم وحذرهم.
قال الحسين : من ذكره الحق تحير في أزله اطمأن إليه في أبده.
وقال النهر جوري : قلوب الأولياء مواضع المطالع ، وهي لا تحرك ولا تنزعج بل تطمئن خوفا من أن يرد عليه مفاجأة مطالعة فتجده مترسما بسوء الأدب.
وقال الواسطي : هذه على أربعة ضروب :
فالأول : للعامة لأنها إذا ذكرته ودعته اطمأنت إلى ذكرها له فحظها منه الإجابة للدعوات.
والثاني : إطاعته وصدقته ورضيت عنه فهم مربوطون في أماكن الزيادات اطمأنت قلوبهم إلى ذلك فكانوا ممزوجين الملاحظة بشواهدهم ومقصودي الطبائع برؤية طاعاتهم.
والثالثة : أهل الخصوص الذين عرفوا الأسماء والصفات ، وعرفوا ما خاطبهم الله به ؛ فاطمأنت قلوبهم بذكره لها ألا بذكرها له وبرضاه عنها لا رضاها عنه.
والرابعة : خصوص الخصوص ، وهم الذين كشف لهم عن ذاته وعلمهم علم صفاته ؛ فأدرج لهم الصفات في الذات ، وأراهم أن ما تعرف إلى الخلق بأقدارهم وعلمهم أخطارهم ؛ فعلموا أن سرائرهم لا يقدر أن تطمئن إليه ولا يسكن إليه ، ومن كانت الأشياء في سره كذلك إلى ماذا يسكن ويطمئن؟ فلا يجد قلبه طمأنينة لقدر المكان إليه ، كلما عادت الزيادة عليه رآها حجابا لا يستطيع بالبر والنعم ؛ لأنها حجاب مستور وهباء منثور ، فإن عزمت الدخول في هذا المقام ؛ فاحتسب نفسك وأعظم الله أجرك.
وقال الأستاذ : قوم اطمأنت قلوبهم بذكر الله في الذكر وجدوا سلوتهم وبالذكر وصلوا إلى صفوتهم ، وقوم اطمأنت قلوبهم بذكر الله لهم ؛ فذكرهم الله بلطفه ، وأثبت الطمأنينة في قلوبهم على وجه التخصيص لهم.
ويقال : إذا ذكروا أن الله ذكرهم استروحت قلوبهم واستبشرت واستأنست أسرارهم ، قال الله تعالى : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) تقريرا لها على ما نالت بالله من الحياة.
قال بعضهم : قلوب أهل المعرفة لا تطمئن إلا بالله ولا يسكن إلا إليه ؛ لأنها محل نظره قيل اطمأنت إليه لأنها لم تجد دونه موضع أنسه وراحته.
وقال الروذباري : اطمأنت إليه ؛ لأنه جللها بالنور وشحنها بالأنس والسرور ؛ فاطمأنت إليه ثم أنه سبحانه لم يقنع بذكر الإيمان منهم حتى قرنه بالعمل الصالح بقوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) أي : أبصروا بعيون أسرارهم أنوار آزال الازال ، وآباد الاباد وبها وصل إليهم من نور الأحدية أيقنوا ما لم يصل