الله بكشف أنوار حضرته لهم تطمئن قلوبهم بذكره بعد طمأنينتهم بذكرهم ؛ فيتولد من ذكرهم الصدق والإخلاص والتسليم والرضا والتوكل وخالص العبودية ، وإذا كان معنى آمنوا شاهدوا الله يكون طمأنينة قلوبهم ها هنا بالله وكشف وجوده ، وذلك مثل ذهاب الصبح برؤية طلوع الشمس.
فالأول : من الإيمان علم اليقين.
والثاني : من الإيقان عين اليقين.
والثالث : من مشاهدة الرحمن حق اليقين ، وفي مقام المشاهدة زال الذكر والذكر باستيلاء أنوار عظمة المذكور ، وهنا ليس مقام الطمأنينة بل مقام فناء القلوب والأرواح والعقول والعلوم والفهوم والأفكار والأذكار في عظمة الملك الجبار ، ويتولد من هذا المحبة والوله والشوق والعشق والمعرفة والأنس والتوحيد والتجريد والتفريد والفناء والبقاء ، ومعنى قوله : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) وذكر القلوب يعني بالله تطمئن الأرواح.
ومحل الذكر أربعة أشياء ، وذكر القلوب من رؤية الايات ، وذكر العقول من رؤية الأفعال في الصنعيات ، وذكر الأرواح من رؤية أنوار الصفات ، وذكر الأسرار من رؤية سبحات الذات ، وها هنا الذكر متصير ؛ لأن الذكر غير متناه ، فإذا رأى العارف مشاهدة صرف ذاتية فرديته على قدر وجوده ، وحاشا أنه محيط بالديمومية والأزلية ، فما كان غير مكشوف له فهو مذكور وهو ذاكرة ، وإن كان في مشاهدته فهذا الذكر في مشاهدة المذكور ، وهذا ذكر عجب ما عرفت طريقا في المعرفة أدق من هذا ، ولا أعرف أحدا يشير إلى هذا المقام إلا قليلا من كبراء القوم.
ولذلك قال سبحانه : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) أي : إذا رأوه وأرادوا زيادة كشف الذات والصفات ، وعلموا أنهم لم يروه بقدره ، ولو رأوه بقدره فنوا فيه فيما لم يروه تطمئن القلوب لرجاء وصولهم إليه ، وذلك الزيادة متصور ، وإن لم يتصور الإحاطة ، وأيضا معنى قوله : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) ذكر الله لهم في الأزل بحسن اصطفائيتهم بولايته ومعرفته ؛ فبقيت لهم تلك الطمأنينة إلى الاباد.
قيل : القلوب على أربعة أنحاء ، وقلوب العامة اطمأنت بذكر الله تسبيحه حمده والثناء عليه لرؤية النعمة والعافية ، وقلوب الخاصة اطمأنت بذكر الله ، وذلك في أخلاقهم وتوكلهم وشكرهم وصبرهم فسكنوا إليه ، وقلوب العلماء اطمأنت بالصفات ، والأسامي والنعوت ، فهم ملاحظون ما يظهر بها ، ومنها على الدهور.
وأما الموحدون كالغرقى لا تطمئن قلوبهم بحال كيف تطمئن بذكر من حملوه أم كيف