وعرف أنه لا يدركه بنفسه ؛ فاستعان بالأزل في معرفة الأزل ، واستعاذ به فقال : (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ) فلما عجز لكل عن حمل هذه المعاني ، وحمل السيد حمل جميعهم بالله صار من العالم غرض الكل ، لذلك قال : «لولاك لما خلقت الكون» (١) ، ولما قام مقام الكل فهو تعالى لم يبال بالكل ، وهذه كما قيل :
وكنت ذخر أفكاري لوقت |
|
فكان الوقت وقتك والسلام |
وكنت أطالب الدنيا لحر |
|
فأنت الحر وانقطع الكلام |
(وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٣١) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٣٢) أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ (٣٤))
قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) عاتب المؤمنين بهذا القول أي : العتبى لهم بأن يطردوا من رؤية ربهم إلى معادن الأرواح ليعرفوا أهل الاصطفائية ممن دونهم من أهل الحجاب ، ولا يطيعون إلى إيمانهم ؛ فإن سرّ التقدير حريّ يمنعهم من مطالعة جماله.
قال الواسطي : هو على ما يقدر من تصحيح حكمه وأحكام قبضته ، ولا يبدل القول لديه.
قوله تعالى : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) هو تعالى قائم على كل نفس قدر قوتها حمل أثقال ربوبيته ، وأنوار عظمته وتربية جوده وحفظه وعنايته ؛ فمن نفس قام عليه بفعله ، ومن نفس قام عليه بصفته من حيث كشف الصفة لها وكشف نور الفعل لها ، ومن نفس قام عليها بالذات من حيث كشف سبحات الذات لها ؛ فإن كسبت النفس عبوديته ؛ فهي في مشاهدة أنوار فعله ، وإن كسبت النفس محبته ؛ فهي في رؤية أنوار صفاته ،
__________________
(١) ذكره علي القاري في «المصنوع» (١ / ١٥٠) والعجلوني في «كشف الخفاء» (٢ / ٢١٤) بنحوه.