ما وجدوا ، حتى ظنوا أنهم واصلون إلى الكل ، ومكره بالموحدين أن يغرقهم في بحر البقاء ، ومشاهدة الأبدية ولا يطوق عليهم سطوات عزه القدم التي توجب الفناء في النكرة ، والفناء في نكرة النكرة ، ومن ثم في بحر النكرة ؛ فمكره أياسه من الرجوع إلى البقاء المذكور ، والكل في مكره ، ومكرهم من مكره ، ومكره وراء مكرهم يحتالون أن يخرجوا من مكره بمكرهم ، ولا يخرجون من مكره إلا بمكره.
قال الحسين : لا مكر بين من مكر الحق بعباده حيث أو همهم أن لهم سبيلا إليه بحال ، وللحدث اقتران مع القديم في وقت ، والحق بائن وصفاته بائنة إن ذكروا فبأنفسهم ، وإن شكروا فلأنفسهم ، وإن أطاعوا فلنجاة أنفسهم ، ليس للحق منهم شيء بحال ؛ لأنه الغني القهار.
قال ابن عطاء : المكر حقيقة ما مكر بهم الحق حتى توهموا أنه يمكرون ولم يعرفوا أنهم مكر بهم ، حيث سهل عليهم سبيل المكر.
(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (٤٣))
قوله تعالى : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) في الاية إشارة عجيبة ، أي : لو يطالبون شهيد بيني وبينكم بصدق رسالتي ؛ فانظروا فإني موضع شهود جمال الحق ، فإن ترونني بعين الحقيقة ترون جلاله وجماله وبهاءه في مرآة وجهي ؛ فشهود تجليه شاهدي ، وأيضا شاهدي من هذا حاله من الأولياء والصديقين ، ومن عنده ينكشف علم ذاته وصفاته وتصديق ذلك إشارته صلىاللهعليهوسلم بقوله :
«من رآني فقد رأى الحق ، ومن عرفني فقد عرف الحق» (١).
وأيضا (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) يعني : علم إشارات الله من أزله في كتابه ، يعني لطائف الحروف المتشابهة المشيرة إلى دقائق أسراره وملكوته وحقائق جبروته ، أي من علم الكتاب ولهم سر الخطاب بلا واسطة من حيث الكشف والإلهام والمشاهدة والكلام ، متحققا في هذه مشاهدته وشاهدته وشاهد آيات رسله نائب أنبيائه وسفير الحق إلى خلقه ، له لسان العجائب من علوم الإلهية وغرائب حقائق الربوبية ، وله لسان الخصوص من المعرفة والتوحيد ، وله لسان خصوصية الخصوصية من بيان النعوت والأسماء والأوصاف والصفات وأبناء الغيب ، وغيب الغيب والفراسات الصادقة ، والايات الواضحة.
__________________
(١) رواه البخاري (٦٥٩٥) ، ومسلم (٢٢٦٧) ، وأحمد في مسنده (٣ / ٥٥) بنحوه.