لطاروا من الفرح به.
كما قيل : لو علمنا أن الزيادة حق لغرسنا الطريق بالياسمين ، وأيضا ينقصها من أطرافها ؛ لأن أوليائه وأوتاده في أطراف الأرض ، فإذا قبضهم نقص أطراف الأرض بقبضهم عنها.
ألا ترى إلى قوله عليهالسلام : «في آخر الزمان لا يبقى صاحب موافق إلا في أطراف الأرض ، وكل واحد منهم في كل يوم أجر مائتي شهيد ، وإذا أراد خراب الأرض أوى أولياؤه إليه ، منها ليهلك أهلها بعدهم ؛ لأن دعاءهم وبركتهم أثبت أهل الأرض في عوافي ذلك من غيرة الله ، ولا مدفع لغيرته» (١) بقوله : (وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ).
قال محمد بن علي : تخرب الأرضين بذهاب أهل الولاية من بينهم ؛ فلا يكون لهم مرجع على ولي في نوائبهم ومحنهم ويتواتر عليهم المحن والنائبات ، فلا يكون فيهم من يكشف الله عنهم بدعائه فتخرب.
وقال أبو عثمان : هم الذين ينصحون عباد الله ، ويحملونهم على طاعة الله ، فإذا ماتوا مات بموتهم من يصحبهم.
وقال أبو بكر الشاشي : شيء يسبغ عليهم الرزق ، ويرفع عنهم البركة.
وقال ابن عطاء في قوله : (لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) أحكام الحق ماضية على عباده فيما ساء وسر ونفع وضر ، فلا ناقض لما أبرم ولا مضل لمن هدى.
وقال الأستاذ في قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) في كلام أهل المعرفة بموت الأولياء.
ويقال : هو ذهاب أهل المعرفة حتى إذا جاء مسترشد في طريق الله لم يجد من يهديه إلى الله.
(وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢)).
قوله تعالى : (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) كل قصاراه منتهى ؛ لأنه سقط في عكره ومكره قائم على كل مسكر وله فعل لا بكل قوم مكر ؛ فمكره بالمريدين أن يزين لهم أعمال الطاعات ويجعلهم مسرورين بها ، ومكره بالمحبين سكونهم إلى راحات مواجيدهم ؛ فيجعلهم مستلذين بها فيصيروا محجوبين عما راؤها من مكاشفات جمال الحق ، ومكره بالعارفين أن يوقفهم على
__________________
(١) ذكر نحوه الهيثمي في مجمع الزوائد (٤ / ٣٤٨) ، وعزاه للطبراني.