شواهدهم ويثبتهم في شواهد الحق ، يمحوا اسم نفوسهم عن نفوسهم ، ويثبتهم برسمه.
قال ذو النون : العامة في قبض العبودية إلى أبد الابد ، ومنهم من هو أرفع منهم درجة غلبت عليهم مشاهدة الربوبية ، ومنهم من هو أرفع منهم درجة جذبهم الحق ، ومحاهم عن نفوسهم ، وأثبتهم عنده ، لذلك قال : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ).
وقال سهل : يمحو الله ما يشاء ويثبت الأسباب ، وعنده أم الكتاب القضاء المبرم الذي لا زيادة فيه ولا نقصان.
وقال ابن عطاء : يمحو الله أوصافهم ويثبت بأسرارهم ؛ لأنها موضع المشاهدة.
وقال الشبلي : يمحوا ما يشاء من شهود العبودية وأوصافها ، ويثبت ما يشاء من شهود الربوبية ودلائلها.
وقال بعضهم : يمحو الله ما يشاء يكشف عن قلوب أهل محبته أحزان الشوق إليه ، ويثبت بتجليه لها السرور والفرح.
قال جعفر : الكتاب الذي قدر فيه الشقاوة والسعادة لا يزاد فيه ولا ينقص ، (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩)) [ق : ٢٩].
ويقال : يمحو العارفين بكشف جلالهم ، ويثبتهم في وقت آخر بلطف جماله.
وقال الأستاذ : المشية لا يتعلق إلا بالحدوث والمحو ، والإثبات لا يكون إلا من أوصاف الحدوث ، وصفات الحق سبحانه من كلامه وعلمه لا تدخل تحت المحو والإثبات ، وإنما يكون المحو والإثبات من صفات فعله ، وقيل يمحوا الله عن قلوب مريديه همم الإرادات ، ويرتقي بهم إلى أعلى الدرجات.
قال الواسطي : يمحو ما يشاء عن رسمه ما أثبته في وسمه ، ويمحو ما يشاء عن وسمه ، وهم الأولياء وخاصة.
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤١))
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) ، وظاهر الاية معروف بفتح الأمصار لأهل الإسلام ، ولكن فيه إشارة عجيبة أنه تعالى إذا أراد بجلاله أن يزور عارفا من عرفائه ومحبا من أحبائه تجلى من ذاته وصفاته له ؛ فيقع أثار تجليه بنعت العظمة والكبرياء على الأرض فتروي الأرض من هيبة جلاله حتى تصير كخردله ، وذلك من غيبة من الخلق ، قال الله تعالى : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) يا ليت للعاشقين لو يرون ذلك