فينا بالتثاقل بالقيام إلى أوامرنا.
قال الأستاذ : العارفون مستقدمون بهممهم ، والعابدون مستقدمون بقدمهم ، والتائبون مستقدمون بندمهم ، وأقوام مستأخرون بقدمهم وهم العصاة ، والاخرون مستأخرون بهممهم وهم الراضون بخسائس الحالات.
ويقال : المستقدمون الذين يستجيبون خاطر الحق من غير تعرج عن تفكر ، والمستأخرون الذي يبصرون إلى الرفض والتأويل.
قوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) إن الله سبحانه كان موصوفا في الأزل بالقهر واللطف وللصديقين منه لها تأثير في تجليها عن القدم إلى العدم ، ويتجلى بلطفه من أنوار لطفه إلى العدم ، فأظهر بنور لطفه التراب والماء وجعلها أصلا في مواليد الإنسان ، وتجلى بقهره للعدم ؛ فأوجد من تجليه النار ، وجعلها أصل مواليد الجن والجان ، فخلق من الماء والطين آدم عليهالسلام وذريته وجميع معاشهم من الماء والطين اللذين أصلهما من تجلي نور لطفه ، وخلق الجن وإبليس من النار التي هي من تأثير قهره ؛ فوقع المخالفة بين الجان والإنسان ، كما وقعت المخالفة بين الماء والطين والنار ، فخلق الأول الماء والطين من لطفه ، ثم خلق النار من قهره ، فسبق الماء والطين على النار ؛ لأن الماء والطين سبب الرحمة على العباد ، والنار سبب عذاب العباد ، لذلك قال تعالى : «سبقت رحمتي غضبي» (١).
فتبيّن فضل الماء والطين وتقدمهما على النار ، فإذا كان الماء والطين بهذه المثابة خلق سبحانه بلطفه آدم عليهالسلام وذريته من الماء والطين ، وخلق إبليس وذريته من النار ، وإذا أراد سبحانه في الأول خلق الإنسان خلق ذريته بيضاء ؛ فتجلى لها جميع صفاته وذاته ، فذابت تلك الذرة من صولة تجلي ذاته وصفاته ، وسارت زلالا نورانيّا جلاليّا جماليّا ، فأثر فيها بركة تجلي ذاته وصفاته ، فتلاطم بعضه بعضا ، وألقى فوق الماء زبدة من نفسه فصارت تلك الزبدة طينا ، فخلق سبحانه من تلك الزبدة الأرض ، ودار ذلك الماء حول الأرض ودخل في بطنها ، ثم خلق منها آدم عليهالسلام وكان ما خلق آدم عليهالسلام منها طينا لزجا بما فيها من ذلك ، فيبس الماء في نفسه بتأثير شعاع تجلي العظمة ، فخلق آدم عليهالسلام منه لذلك قال : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) فإذا أراد خلق آدم عليهالسلام سلط على ترابه ومائه سطوات تجلي قدمه وبقائه ؛ فخمرها بتجلي القدم والبقاء الذين كني عنهما باليدين بقوله : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) يد القدم ويد البقاء أربعين صباحا كل صبح منها أصبح كشف ألف صفة ؛ فخمرها أربعين صباحا
__________________
(١) سبق تخريجه.