يتجلى كشف أربعين ألف صفة من صفاته ، وجعل صورة آدم عليهالسلام وطينته مساقط أنوار تجلي صفاته ؛ فلما كملت صورته طرحها بين العرش والكرسي ثمانين ألف سنة من سني الاخرة ، ورباها بأفانين كرامات تجليه ، وهو سبحانه خلق روحه قبل صورته ، وصورة الكون بألفي ألف عام من أعوام الاخرة.
قال عليهالسلام : «خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي ألف عام» (١).
وكان خلق روحه من تأثير تجلي ذاته ، فأصلها أيضا يتجلى جميع صفاته ، فحبسها في حجال غيب الغيب وغيب غيب الغيب ، وسترها بقباب غيبه من أعين الملائكة ، ثم ألبس طينتها وصورتها لباس الغيرة ؛ فنظرت الملائكة إلى صورة المعرفة من قلة معرفتهم بجلال قدرها ، وأعمى الله إبليس عن رؤية ما في صورة آدم عليهالسلام حتى تفاخر عليها ، فلما أراد سبحانه إظهار صنيعه في ملكه وملكوته وجلال صنيعه الموجود جاء بروحه التي انقدحت من زنود تجلي الذات والصفات بقوله : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) ، وأدخلها بنفخة المنزّه عن همهمة الأنفاس الحدثانية في صورته ؛ فقام بإذن الله ملتبسا نور الصفات والذات ، وجلس على بساط سلك بقائه فصار محتار من بين الفريقين الجن والملائكة ، أيضا لأن الملائكة ، خلقت بأمر واحد وكان آدم عليهالسلام خلق بتجلي الذات والصفات فشتان بين آدم عليهالسلام وذريته ، وبين الملائكة وبنيه ، وبين إبليس وجنوده.
قال بعضهم : الأشباح مزدولة قيمتها ؛ لأنها خرجت من تحت ذل كن ، وأظهرت من الصلصال والحمأ المسنون.
قال الأستاذ : ذكرهم نسبتهم ؛ لئلا يعجبوا بحالتهم.
ويقال : القيمة لهم بالتربية لا بالتربية النسب تربة ولكن التعب قربه.
ثم أخبر سبحانه الملائكة بخلق آدم عليهالسلام بقوله : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) إخباره لهم من خلق آدم عليهالسلام افتتاحه لهم أبواب خزائن ملكوت الأصغر ليريهم ما في عالم الكبير وما فيه إياهم في عالم الصغير ، وهو الإنسان ليشاهدوا عجائب صنعه وقدرته ويروا فيها جمال جلاله ؛ لأن آدم عليهالسلام كان مرآة الحق في العالم من يراه يرى آثار الله فيه.
قال جعفر : امتحنهم ليحثهم على طلب الاستفهام ؛ فيزدادوا علما بعجائب قدرته ويتلاشى عنهم نفوسهم ، ثم أعلم الملائكة محل جوده ولطائف جوده في آدم عليهالسلام ليروا آيات
__________________
(١) ذكره القرطبي في «التفسير» (١١ / ٩٠) ، وابن حجر في «لسان الميزان» (٣ / ٢٦١) ، والعجلوني في «كشف الخفاء» (١ / ١٢٢).