بهائه وتخضعوا لجلاله بقوله : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) أعلمنا أن مزية آدم عليهالسلام على الكل بتشريف تسويته ونفخه روحه فيه وإن كان شريف في الأصل فطرة طينه شرفه كان لله ، ومباشرة أنوار ذاته المنزّه عن الحلول والاجتماع والافتراق ؛ فيصير قبلة الله في بلاده وعباده فإذا ظهر لكم فاسجدوا له عند معاينتكم أنوار قدرتي وعجائب لطفي.
قال أبو عثمان : إذا خصصته بإظهار النعت عليه من خصائص الروح وبيان التسوية فدعوا مجادلتكم وارجعوا إلى حد القهر والتعبد له.
قال الواسطي : لما نفخ الروح في آدم عليهالسلام جعل معرفتها معرفة الحق إياها ، وعلمها علم الحق بها قصودها مرادات بابها على محابها ، فلما احتجب الملائكة بالصورة الصلصالية والرسوم الشجية عن جمال روحه وما صنع الله بعزته وصمديته وجلال جميع صفاته وذاته في تسويته وصفرته حين لم يشاهدوا عين الجبروت والملكوت فيه ، ولم يروا صور حقائق اللاهوتية في مرآة الناسوتية ، واحتجوا وجادلوا بقوله تعالى : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) ترحم عليهم الحق سبحانه بأن رفع حجاب الغيرة عن وجه آدم عليهالسلام دلالة منه لهم به إليه ليعرفوا ذلهم وغره فرأوا أنوار الأسماء والصفات وسنا سبحات الذات في وجهه ، ورأوه ملتبسا بنوره ونور نوره ، وما عليه من كسورة ربوبيته ؛ فتاهت قلوبهم ، وفنيت عقولهم من صولة جلاله ، وخروا له ساجدين من شدة حبهم له وشوقهم إليه ، وتصاغرت نفوسهم بين يديه وذلك قوله سبحانه : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) سجودهم لما بدا من آدم عليهالسلام من نور الحق ؛ فسجدوا له لا له بالحقيقة بل سجدوا للأزلي الأبدي المنزه عن إشارة الزائغين ، وتهمة المبطلين ، وأوهام الغالطين ، ولم ير إبليس ما رأت الملائكة ؛ لأنه كان من عالم القهر محجوبا بالقهر عن رؤية جمال الحق في آدم عليهالسلام بقوله : (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) ، ولو أدركه بتلك الصفة سجد له في كل لمحة ألف مرة.
لو يسمعون كما سمعت كلامها |
|
خرّوا لعزّة ركّعا وسجودا |
قال بعضهم : أبصر الملائكة من آدم عليهالسلام هيكله وشخصه ، ولم يشاهدوا إضافة الروح إليه واختصاص الخلقة به واستقامة التسوية وتعليم الأسماء والإشراف على الغيب فنكلوا على السجود ؛ فلما أظهر الحق تعالى هذه الخصائص سجدوا له وقالوا : سبحانك أنت تخص من تشاء من عبادك بخصائص الولاية ، وتنعيه بنعوت الربانية ، وتجريه إلى بساط القربة ، وأنت الفعال لما تريد.
قال الواسطي : الفرق بين روح آدم عليهالسلام وبين الأشياء كلها تسوية الخلقة وتخصيص