الإضافة ، فقربت من الله وعرفته ومكّنها من حكمها فغنت وغنمت ، ورجعت إليه بالإشارة وقطعت عنه العبارة ، وذلك كله من عجز الفخر إذ لم يلبسها ذل القهر ؛ فزينها بخلقه فتخلقت بخلقه ، وتأدبت بصفته فكانت به تنطق وبإشارته تعقل ، وهذا تفسير قوله : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي).
قال أبو عثمان : فتح الله أمين الملائكة بخصائص آدم عليهالسلام ، وأعمى عين إبليس عن ذلك فرجعت الملائكة إلى الاعتذار ، وقام إبليس على منهج الاحتجاج بقوله : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ).
قال أبو الحسين : نظر الملائكة إلى الروح ، وإلى ما خص الله به آدم عليهالسلام من القربة والكرامة ؛ فانقادوا لأمره سبحانه ، وسجدوا له وأبى إبليس واستكبر ؛ لأنه كان في عبادته أسوأ حالا منه في آياته ؛ فإنه ما عبد الله قط ، وإنما كان يعبد نفسه وهواه ، ثم غير الحق سبحانه إبليس حيث لم يسجد له مع الملائكة بقوله تعالى : (قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) أي : ما لك ألا تكون من المشاهدين شهودي بوصف كشف جماله وجلاله مع دعواك معرفتي وعبوديتي ، فإن من لوازم المعرفة والعبودية والعلم بالربوبية عليك أن تراني بوصف الربوبية في العبودية ، وأن تعرفني بأمري ماوراء أمري من أسرار علمي ، وظهوري في لباس قدرتي.
ثم أخبر عن جوابه وجرأته بالكلام في حضرة القديم ، ومؤازرة كبريائه الأزلي بكبرياء نفسه بقوله : (قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) غلظ الملعون في دعواه بخالص العبودية والمعرفة بالوحدانية ، وإفراد القدم عن الحدوث ؛ لأنه ظن أن محض العبودية صورة السجود والركوع ، ولم يعلم أن متابعة أمره بأوجه ، هي خالص العبودية ، وينبغي أن يتابع أمر معبوده ، ولم يأمر بشد الزنار مثلا ، ولا يبالي بأن يشد على وسطه الزنار ؛ لأن العاشق الصادق يأخذ أمر معشوقه ، ولا يخالفه في جميع مراده ، ولو كان مشفقا على محبوبه بأن يخلص عبادته له ، فإذا رد قوله ونازع إرادته كيف له شفقة على محبوبه يا ليت لو رأى في مكان الأمر جلال الأمر ؛ فإن آدم عليهالسلام كان قبلة الظاهر كالكعبة ، ولا يقع السجود إلا في مشاهدة الربوبية ؛ لأنه قال : هو أهله لا غير ومقام إلا من مقام الامتحان ، وظن الملعون أنه مستحكم في توحيده حيث لم يسجد لغيره ، وهناك لا غير لأن في حقيقة عين الجمال ما هو إلا هو ، ولو كان نظره صحيحا لم يلتفت إلى الوسائط ؛ لأنه في عين الجمع الدليل والمدلول واحد من حيث الحقيقة لا من حيث الرسوم ، فيبقى الملعون جاهلا عن معرفته عين الجمع ، وقد غلط أيضا إفراده عن الحدوث ؛ لأنه كان محجوبا بنظرين ، نظر إلى آدم عليهالسلام ، ونظر إلى