نفسه ؛ فأما نظره إلى آدم عليهالسلام قوله : (لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ) ، وأما نظره إلى نفسه قوله : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) ، ولو كان صحيح القول في نظره إلى عين الوحدانية يسقط عنه رؤية الغير في البين ، ظن أنه عالم بالله ، وقد وصل إلى عين الحقيقة ، ولم يعرف أنه ما وصل إلى أدني المقامات ، ولو كان في محل التحقيق ما أحاله الحق إلى خدمة حادث من الحدثان ، عرفه أنه لم يكن أيضا مبتدأ من أهل الإرادة في أول درجات العبودية ، ولو كان صادقا في إرادته لأكل تراب قدم آدم عليهالسلام ؛ لأن المريد ملهوف واله بإرادته ومحبته لمقتداه ، ولكن إيش ينفعه ، وهو كان مريدا لا مريدا ؛ لأنه كان معجبا برأيه ، ناظر إلى نفسه في إرادته وعبادته ، فقد حصل له الإنكار على مشايخه في زمانه ، وسقط من عين الحق وعيون أصفيائه إلى صهوات الرياسة والضلالة ، نعوذ بالله من الحور بعد الكور ، ومن الضلال بعد الهدى ، ومن الرياء بعد الإخلاص.
ألا ترى كيف كان حاله إلى الأبد إذا لم يعرف مكان القرب من مكان البعد ، وكيف يهيم ويعمه في وادي الطرد واللعن بقوله : (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ) رجمت بأحجار القهر من مكان اللطف إلى معدنه ؛ لأنه كان فيه عارية قد قصد باللعنة إلى يوم الدين ، وكان في الأزل ملعونا.
أراد بقوله : (إِلى يَوْمِ الدِّينِ) أن اللعن لعنان ، لعن قديم ، ولعن جديد ؛ فإبليس كان موصوفا بهما ، اللعن القديم سبق إرادة الحق لإبعاده عن رحمته وذلك لا يتغير أبدا ؛ لأن القديم هو الباقي ، وتلك الإرادة قائمة به ، واللعن الجديد زيادة القهر حيث أعطى زمام العصاة إلى يده حتى يفعل بهم ما يشاء بإذن الله ، واستكباره عن طاعته ، وارتكاب معصيته ، وإغواء عباده هو اللعن الجديد الذي هو زيادة البعد ، فذلك منقطعة يوم الدين حيث ارتفعت العبادة والمعصية ؛ فيكون موصوفا بما كان موصوفا في علم القديم إلى الأبد ، ليت لو كان رجلا من الرجال ، ويطلب الحق في أودية قهره ليرى أشياء من عجائب الربوبية ما يرى الرجال في معادن اللطف ، ولكن كيف أقول وإنه ليس من دواب الإصطبل عجبت من تحنثه وجهده كيف يمشي خلف بنيات وصيات وجهيلات ، ويفعل كما يفعلون من خساسة طبعه وكثرة جهلة ويستأنس بكل مستوحش ، ويستوحش من كل مستأنس ، وليس هذا من أوصاف الرجال.
قال الواسطي : اللعنة التي لم تزل تستحقه مني ، وإن كانت الأوقات جرت عليك بزينة السعادة.
ولما سقط من أصله بحسده وعداوة أولياء الله زاد حسده واستنظر بقوله : (قالَ رَبِ