والمشاهدة.
قال ذو النون : الناس كلهم موتى إلا العلماء ، والعلماء كلهم نيام إلا العاملون ، والعاملون كلهم مغترين إلا المخلصون ، والمخلصون على خطر عظيم.
وقال النصر آبادي : المخلص على خطر من إخلاصه ؛ لأنه بإياه ، والمخلص جاوز حد الخطر ؛ لأنه لا به (١).
وقال بعضهم في قوله : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) أي : الذي أوصلتهم إلى قربي من غير كلفة ولا سابقة ، وأفنيتهم عن أوصافهم ، وزينتهم بأقلها وصفاتي عليهم ، فهم مع الخلق بالهياكل ، ومعي بالأرواح والسرائر ، لا عليهم من الخلق أثر ، ولا لهم مما هم فيه خبر ، أولئك هم عبادي حقّا ، ليس لهم مطلب سواي ، ولا مرجع إلا إليّ هم هم ، بل أنا هم ، بل أنا أنا ، ولا هم هم ، ولا صفة لهم ، ولا أخبار عنهم ، لفنائهم عنهم وبقائهم لي.
وعن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر الصادق ـ عليهمالسلام ـ في قوله : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ) [الفرقان : ٦٣] قال : جملة الخلق من جهة الخلقة ، لا من جهة المعرفة ، وعبادي تخصيص في العبودية والمعرفة.
قال ابن عطاء : المخلص من أخلص من رؤية نفسه ومشاهدة أفعاله واستقام مع الله تعالى في كل أحواله ، فلا يتقدم إلا بأمره ، ولا يتأخر إلا بحكمه.
وقال جعفر : منّ الله بهذه الاية أن ليس للشيطان على عباده المخلصين سبيل ، والمخلصين درجات من قبل المجاهدات والمشاهدات ، فمن أخلص في عمله فهو مخلص ، ومن أخلص بقلبه فهو مخلص ، ومن أخلص سريرته وعلانيته لله فهو مخلص ، ومن أخلص روحه نال الاستقامة بالله ، والوصول إلى قربته.
__________________
(١) الحاصل : إن عباد الله منهم المخلصون بكسر اللام ؛ وهم الصادقون ؛ بمعنى إنهم تخلّصوا عن شوائب النفسانية في أعمالهم وأحوالهم ، وهم على خطر في الجملة لبقاء شيء من نفوسهم ، ومنهم المخلصون بالفتح ؛ وهم الصدّيقون ؛ بمعنى أنهم تخلّصوا عن شوائب الغيرية ، كما تخلّصوا عن شوائب النفسانية ، فهم فانون عن نفوسهم ، باقون بربهم لا يد للشيطان عليهم أصلا ؛ لأن الشيطان إنما يخدم النفس ؛ لأنها الأصل في الفساد ، فإذا كانت حركات عن صفاتها الرذيلة ؛ عزل الشيطان نفسه عن تلك النفس المطمئنة ؛ لأن النور والظلمة لا يجتمعان.
ولقد غلب عاصم على غيره من القرّاء في قراءة الفتح ، ولله درّه معرفة ، فإن المستثنى من العباد ؛ إنما هو هم لا غير هم ، وإن كان غيرهم أيضا ممن يتذكّر ويبصر ؛ لكن أين المخلط من غيره ، فإنه ما دامت بقيّة من النفس ؛ فصاحبها غير محفوظ بالكلية ، وقد عرف بين الأولياء إن الكمّل محفوظون ؛ بل معصومون إلا أن العصمة تقال في الأنبياء ، والحفظ في الأولياء فرقا بين المقامين.