بقوله تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) بيّن في هذه الاية أن قلوب الصديقين والمتقين مقدسة من علل الإنسانية والشيطانية ؛ لأنها مقدسة بقدس جمال الرحمن ؛ ولأنها متقلبة بين إصبعين من أصابع الرحمن ، ولا يدخل فيها علة الحدثان.
الأرواح كانت مستغرقة في لجج بحار الوحدانية والأسرار ، هائمة في قدم الأزلية ما جرت عليها أوصاف الترابية ، وما أشرف عليها غبار وساوس الشيطانية ، وما طوى عليها في قدم الأزلية ما جرت عليها أوصاف الترابية ، وما أشرف عليها وساوس الشيطانية ، وما طرأ عليها قتام هواجس النفانية ، لكن لّما أراد الحق سبحانه امتحانها خلق الأشباح ، وجعل منها أوديتها الشهوات ، وأنبت فيها نبات الأخلاق الذميمة ، والفطرة السليمة ، وجعل القلوب أماكن الأرواح ، وجعل الأرواح أماكن العقول ، وجعل العقول أماكن الأسرار ، وجعل الأسرار أماكن لطائف معرفته وحكمته ، وجعلها أصداف جواهر تجلي جماله وجلاله ، ثم وضع الجميع في مواضع الفطرة من الأشباح ، فلمّا سكنت هذه الجنود في الأشباح ، وتواترت عليها أنوار تجلي الحق ، تطهرت الصدور بمساكنها من علل الإنسانية ، وانسدت عليها أبواب الشيطانية ، فلم يبق فيها علل الأخلاق ، ولا يدخل فيها بعد ذلك غبار الوسواس فإذا بعد ذلك صاروا متقين ، الذين وصفهم الله بنزع الغل عن صدورهم ، قيل : دخولها في الجنان نزع علة الغل والغش بنفسه عن صدورهم ، ثم بكرمه أدخلهم في جنان مشاهدته ، وأجلسهم على كراسي قربته ينظرون بعضهم إلى وجوه بعض بالمودة والمحبة والشوق إلى لقائه ، يرى سيماء نور الألوهية بعضهم من وجوه بعض ، ولو بقى الغل في صدورهم على باب الجنة ما أسوأ حالهم إذا بقى قلوبهم في غواشي الغل ، الله الله لا نظن ، فإنه لك بجلال قدره دفع عن صدورهم هذه العلة قبل دخول أرواحهم في أجسادهم ، وكيف يكون موضع المضافات والمودة والألفة الإلهية مغشوشة بغل الطبيعة ، والغل والغش من أوصاف أهل النفوس ، لا صفة المتحابين في الله ، لا ترى كيف وصفهم بالاخرة ، ولا يبعد من قدرة الله وحكمته أن يدخل الغل في صدور ولي من أوليائه ، ابتلاء وامتحانا ؛ ليشتغل بدفعه وتطهير سره عن ذلك ، واستعاذته بالحق من وسواسه ، ويصل إلى معالي الدرجات باستنكاره على نفسه ، ومحاربته مع شيطانه ، ولا يكون ذلك من منقصة في ولايته.
ألا ترى إلى قول أسد الله علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ كيف قال في هذه : أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم.
قال أبو حفص : كيف يبقى الغل في قلوب ائتلفت بالله ، واتفقت على محبته ، واجتمعت على مودته ، وأنست بذكره ، إن تلك القلوب صافية من هواجس النفس ، وظلمات الطبائع ،