بل كحلت بنور التوفيق ، فصارت إخوانا.
قال الأستاذ : أمر الخليل عليهالسلام ببناء الكعبة وتطهيرها ، فقال تعالى : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) [الحج : ٢٦] ، وأمر جبريل عليهالسلام حتى غسل قلب المصطفى صلىاللهعليهوسلم ، وطهره وتولى نفسه تطهير قلوب العاصين ، فقال : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) لا تقديما لهم على الأنبياء ـ عليهمالسلام ، ولكن رفقا بهم ، وقد يصنع الله للضعيف ما يتعجب منه القوي ، ولو وكّل تطهير قلوبهم إلى الملائكة لا شتهر عيوبهم ، فتولّى ذلك بنفسه رفقا.
ويقال قال الله تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) ، ولم يقل : ما في قلوبهم من غل ؛ لأن القلوب في القبضة يقلبها ، وفي الخبر : «قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء» (١).
ثم إنّ الله تعالى نفى عنهم النصب والمشقة في جواره بقوله : (لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) آواهم إلى أنوار بقائه ، ومشاهدة جماله ، وحرسهم بها عن قهر سلطان الكبرياء القدم الذي لو هجم عليهم سطوة من سطواته يفنيهم عن اللذة ، وما هم فيه من الجنان كلها ؛ لأن الحادث إذا قرن بالقديم يزول من عظمته فيه بأقل من لمحة ، ولولا استتارهم بأستار نور البقاء لهلكوا في جلال الأزل ، كأنه تعالى حفظهم به عنه ، وأيضا لولا تفضله ورفقه بهم ؛ حيث أراهم جماله بوصف اللذة ؛ ليفنون في بوادي عزته وهيبة عظمته ، ومعنى قوله : (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) لأن هناك ليس مكان الامتحان والتربية ، وقد صار في زمان الغضب بوصف الرضا ، ويصير الغيرة مرتفعة من بين العاشق والمعشوق.
قال النصر آبادي : أي نصيب يلحق في المجاورة لمن غفل عن الله تعالى ، وأما من انتبه فأي راحة للحدث في جنب القدم ، هل هو إلا تعذيب واستهلاك؟ ثم رجع إلى المقامات ، ومحل الامتحانات ، ورعب المريدين بنيل الدرجات ، وهدد السالكين بنصب الحجاب ، وتعذيبهم بالعتاب ، بقوله : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) يغفر جناية خطرات قلوب العارفين بعد إدراكهم مواضع خطرها ، وتداركهم بالندم على تضييع الأوقات ، وعمارتهم أسرارهم بأنواع الذكر وصفاء المناجاة يرحمهم بأن يوصلهم إلى أعلى مراتبهم من المكاشفات ، والمشاهدات ، وعذاب فراقه ، واحتجابه أليم لمن عرفه ، ثم يستأنس بغيره ، وإن كان واسطة مليحة ، ويمكن أنه تعالى أخبر عن تلك الأسرار التي ذكرناها في قوله : (لا
__________________
(١) سبق تخريجه.