قال الجنيد : لتسألن أهل الحقائق عن تصحيح ما أظهروا للناس من الدعاوي وتحقيقها ، وبلغني أن بعض المشايخ قال لبعض المريدين : إياك وهذه الدعاوي فإن الله سائلك عنها.
فقال المريد : لو علمت أن الله يكلمني في القيامة ويسألني عن هذا ، لما كان مني في طول عمري إلا هذا ، وأنا ممن يصلح لمخاطبة الحق ، وللوقوف بين يديه ، وسقط فمات.
(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩))
قوله تعالى (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) واسى الحق حبيبه بما سمع من أعدائه ، وقال : أنت بمرأى منّا يضيق صدرك من لطافتك بما يقول الجاهلون بنا في حقنا بما لا يليق بتنزيهنا فترة ، أنت صفتنا مكان مقالتهم فينا ، فإن مثلك ينزهنا لا غير ، وكن من الساجدين حتى ترانا بوصف ما علمت منا ، وتخرج من ضيق الصدر في مشاهدة جمالنا ، فإذا كنت تعايننا يسقط عنك ضيق صدرك من جهة مقالتهم.
وقال الواسطي : تعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فينا من الضد والند والشريك ، فسبح بحمد ربك لا تضيق به صدرا ، فأنا في الأزل نزّهنا صفاتنا عما أحدثوه من هذه الألفاظ.
قال بعضهم : يضيق صدرك بما يقولون إذا رجعت إليهم ، وسمعت منهم ، أرجع إلى مشاهدتنا ، فإنه وطن الحق ، ولا يضيق صدرك.
قال الواسطي : هذا تعزية للمحسودين من العلماء ، فقال : ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون بجهلهم وحسدهم فيكم ، ثم أمرهم بلزوم طاعته بقوله : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ).
قال الأستاذ : ولقد نعلم أنك يضيق صدرك ولم يقل قلبك ؛ لأنه كان في محل المشهود ولا راحة للمؤمن دون لقاء الله ، ولا يكون مع اللقاء وحشة ، ثم أمر حبيبه بخالص العبودية عن كدر الخليقة بقوله : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) اليقين ها هنا مشاهدة الصرف ، أي : إذا بلغت مقام التوحيد به ، وحقيقة الرؤية ، ومشاهدة مشاهدة الأزل ، وغبت في بحر الأبدية ، سقط عنك في تلك الحال ، تظاهر الرسوم حتى تفيق عن تلك الحالة.
قال في مقام المشاهدة : الاشتغال بالعبادة ترك الأدب ، وما أردنا بهذا التفسير خلع ربق العبودية عن أعناق أهل المعرفة ، لكن أردنا أن العارف إذا عاين الحق يكون مجذوبا بشوق