بشيء لكن أنا بشر مثلكم يوحى إليّ ، فمن جهة الوحي أنذركم من عظيم جلاله ، وقهر كبريائه ، وأحذركم من ألم فراقه ، أنا النذير منه مبين ، حيث ألبسني شاهد ملكه ، وعز جلاله وأنوار بهائه مبين من حيث ظهر معجزتي لكم وأنتم معاينوها.
قال بعضهم : في قوله : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) غار الحق على حبيبه أن يستحسن من الكون شيئا أو ينظره طرفة ؛ فإن ذلك متعة لا حاصل له عند الحق ، وأراد منه أن يكون أوقاته مصروفة إليه ، وأيامه موقوفة عليه ، وأنفاسه له حسيبة عنده ؛ فقال : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا) (١) لذلك وقع في المحل الأعلى ، فما زاغ ولا طغى.
قال يوسف بن الحسين أذن الله في قوله : (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) لنبيه عليهالسلام أن يخبر عن نفسه بأنه السفير الأجل ، والعلم الظاهر ، والبيان الشافي ، قال الله تعالى : (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ).
(فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣) فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦))
قوله تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) لا يحتاج الحق إلى السؤال عمّا عمل أهل معرفته ، لكن يعرفهم مكان الخطوات ، واعوجاج الهمم ، وميلان الطبيعة ، ودقائق النفس والشيطان ، حتى يكونوا مذابين من حيائه في بحر الخجل من صولة العظمة ، وأيضا أراد أن يواسيهم بما قاسوا من آلام المشقة والمجاهدة ، كيف يخلصون من مكان الامتحان ، فيقول : كيف أنتم عبادي في معاملتي ، ومن أجرتي ، ومشقة امتحاني ، حتى يقولوا بلسان الاضطرار والشوق إلى لقائه ومقاساتهم داء الفراق هذا البيت :
عندك لا تسأل عن حاله |
|
جل بأعدائك ما حل به |
قال الواسطي : يطالب الأنبياء والأولياء بمثاقيل الذر لسمو رتبتهم ولا بطالب العامة بذلك ، لبعدهم عن مصادر السر.
قال الواسطي : غفلة العامة من المسئول عنها أهل الحقائق من حركات الأطراف ، وخطرات القلب ، وهواجس السر.
__________________
(١) فضل الرؤية فيما لا يحتاج إليه معلول كفضل الكلام ، والذي له عند الله منزل وقدر فللحق على جميع أحواله غيرة ، إذ لا يرضى منه أن يبذل شيئا من حركاته وسكناته وجميع حالاته فيما ليس الله ـ سبحانه ـ فيه رضاء ، تفسير القشيري (٥ / ٦٤).