وصرت متفردا من رؤية صرف الألوهية بواسطة الصفات العامة عن الأكوان والحدثان ، وظاهر الاية أتيناك سبعا من المعاني أربعة عشر خلقا من أخلاقه ، مثل : الرحمة والشفقة والعفو والصفح والكرم والظرافة واللطافة والحسن والجمال والهيبة والحياء والسخاء والوفاء والولاية والنبوة والرسالة ، هذا كما روى علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر ـ عليهم الصلاة والسلام ـ في هذه الاية ، قال : أكرمناك ، وأنزلنا إليك ، وأرسلناك ، وألهمناك ، وهديناك ، وسلطناك ، ثم أكرمناك بسبع كرامات ؛ أولها : الهدى ، والثاني : النبوة ، والثالث : الرحمة ، والرابع : الشفقة ، والخامس : المودة والألفة ، والسادس : النعيم ، والسابع : السكينة والقرآن العظيم ، وفيهما اسم الله الأعظم.
ولما بيّن امتنانه عليه ، وعرفه مكان النعمة السرمدية له ، صغر الكون وما فيه في عينيه بقوله : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) أي : لا تنظر يا صاحب هذه المعاني العظيمة الربانية إلى زينة أصناف أهل الدنيا من الغافلين عنا ، فإنها فانية لا يليق بنعمتك ، وهذا إشارة إلى سرّ الفطرة النفسانية المجبورة بالشهوة الخفية ، أي : ينبغي ألا يميل نفسك إلى شيء غيرنا ، فإنه موضع خطر المخلصين ؛ لأنه محل امتحاننا لا تمدن عينيك إلى طلب جمالنا في غيرنا من أوصاف الروحانيات ، فإن حقيقة المشاهدة ما تكون خالية من الوسائط ، أي : لا تكن كالخليل ، حيث قال : (هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ) لكن اقتد باخر مقامه ؛ حيث قال : (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) فبدايته في قوله : (هذا رَبِّي) مقام العشق ، وآخر مقامه إفراد القدم عن الحدوث ، فأول مقامك آخر مقام الخليل فغض عليهالسلام بصره عن الوجود ، لذلك وصفه بقوله : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى).
وفي الحديث المروي أنه عليهالسلام كان إذا رأى أموال أهل الدنيا من الإبل ، والغنم ، وغيرهما ، يغطي عينيه بكمه ، ويقول : بهذا أمر ربي.
ثم زاد التأكيد برفع الهمة عن الغير بقوله : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) ثم أمر باستعمال خلقه للمقبلين إلى الله ، المتابعين حبيبه بنعت المحبة والإيمان واليقين ، بقوله : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) جناح همتك ارتفعت من الكونين ، ووصلت إلى قاب قوسين ؛ لأنها أجنحة ألوهية ربانية قيومية ، أي : اخفض جناح الربوبية التي اتصفت بها لأهل العبودية حتى يطيروا بجناح نبوتك إلى معادن رسالتك ، ويجدون بمتابعتك وهمتك المقامات الشريفة ، والولايات الرفيعة ، ومع ذلك لا تتكلم من حيث أنت ، فأنت من حيث أنا ، ولكن تكلّم معهم من حيث أنت في مقام العبودية ، بقوله : (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) لست من قبل الربوبية