(وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ (٣١) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٣٣) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٤) وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٣٥) وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦))
وقوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) أي : للذين رفعوا أرواحهم وقلوبهم وعرضوها في الحضرة لبذلها وفدائها لعروس المشاهدة ، وأحسنوا عبودية خالقهم ، وشاهدوه مشاهدة إيقان وعرفان في دار الامتحان حسنة مشاهدة الرحمن في وقت كشوف أنوار جماله في أوقات المواجيد والواردات ، ولهم في دار الاخرة عيان في عيان ، وبيان في بيان ، بلا فترة ولا فتور ، ولا حجاب ولا عتاب ، ولنعم دار هؤلاء المتفردين عن الأكوان والحدثان دار مشاهدة الرحمن.
ثم وصف مقاماتهم السنية ودرجاتهم الرفيعة في مقاعد صدق المشاهدة بقوله تعالى : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ) بساتين مقام الجلال والجمال ، ويجري فيها أنهار زوائد المنن ولهم من مشاهدة جلاله وجماله ما يشاءون عن حلاوة الخطاب والوصال ، وهذا جزاء قوم انفردوا بالحق عمّا دون الحق.
قال أبو عثمان : في قوله (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) أي : أحسنوا في ابتداء أحوالهم الرجوع إلى محل المحسنين.
قال يوسف بن الحسين : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) آداب الخدمة واستعملوها للرفعة إلى محل الأولياء ، وهو غاية الحسنى.