وروح المحبة ، لذلك أكّد في حق الأصنام بعد قوله : (أَمُوتُ) بقوله : (غَيْرُ أَحْياءٍ) قطع الحياة الأصلية عنها ، وقطع عنها أيضا استعداد قبول الحياة ؛ لأنها جمادات ؛ فالمنكرون كذلك أموات القلوب عن معرفة العارفين ، وغير مستعدين لعرفانهم ، والعلم بأحوالهم ، فسلاطين المعرفة أحياء بأرواح معرفته ، والمحبون أحياء بأرواح محبته ، والموقنون أحياء بأنوار مشاهدته ، والصدّيقون أحياء بأنوار لقائه ، والمقربون أحياء بأنوار صفاته ، والموحدون أحياء بأنوار ذاته ، وأهل ستر الغيب أحياء بحياته القديمة ، والجمهور من وصل القدم في بحر نكرة ، مستغرقون لا يموتون فيها بالحقيقة من سكون أرواح معرفته في أسرارهم ، وأحاطت أرواح بقائه على أرواحهم ، ولا يحبّون فيها بالحقيقة لصولة سطوات عظمته الأزليات عليهم ، وإذا أبصرتهم بالحقيقة فعن إدراك كنّه القدم أموات غير أحياء ، إذ لا سبيل للحدث في القدم بنعت إدراكه ، لكن هم في حسبان من حلاوة أوقاتهم في إدراكه ، وما يشعرون أنهم لا يدركون أبدا ، لكن إذا طلع صبح الوحدانية عليهم ، وباشرهم أنوار شموس الذات ، وأقمار الصفات ، يقومون به معه بوصف الحياة الباقية ، والعلم بفروع الربوبية ، ولكن لا يعرفون أيان يبعثون في هذه المنازل ، كأنّ الأوقات هناك وقت واحد بنعت تسرمد السرمدية والأزلية سبحانه وتعالى.
قال الجنيد : من كان بين مفرقي فناء فهو فان ، ومن كان بين طرفي عدم ، فهو معدوم ، وإلهي هو الذي لم يزل ولا زال.
قال بعضهم : أموات عن وصول الحق غير أحياء وما يشعرون ، وإنّما يشعر بذلك من كشف له عن محل الحياة بالحق.
وقال الحسين : الحياة هي أقسام ، فحياة بكلماته ، وحياة بأمره ، وحياة بقربه ، وحياة بنظره ، وحياة بقدرته ، وحياة هي الموت ، وهي الحركات المذمومة ، وهو قوله جل وعز : (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ).
وقال سهل : خلق الله الخلق ثم أحياهم باسم الحياة ، ثم أماتهم بجهلهم بأنفسهم ، فمن حي العلو فهو الحي وإلا فهم موتى بجهلهم.
وقال الواسطي : الميت من غفل عن مشاهدة المنّان ، والحي من كان حي بالحي الذي لا يموت.
وقال أبو عمرو الزجاجي : كيف تحيون وأنتم لم ترو أحياء.
وقال النصر آبادي : أهل الجنة أموات ولا يشعرون ؛ لا شتغالهم بغير الحق ، وأهل الحضرة أحياء ؛ لأنهم في مشاهدة الحق.
قال الله : (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ).