المسلمين ، وكل نعمة من هذه النعم معدن أصل الذات والصفات ، يزيد بزيادة كشفها ، فبأي لسان يعد نعمته ، والخليقة عاجزة عن شكر قطرة ماء زلاله ، فكيف لا يعجز عن شكر نعمة مشاهدته القديمة ، لكن رحمته وغفرانه شكر نفسه لعلمه بضعف عباده عن حمل شكره ، لذلك قال في آخر الاية (إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).
قال ابن عطاء : إن لك نفسا وقلبا وروحا وعقلا ومحبّة ومعرفة ودينا ودنيا وطاعة ومعصية وابتداء وانتهاء وحينا واصلا وفصلا ووصلا ، فنعمة النفس الطاعات والإحسان ، والنفس فيهما تتنعم ، ونعمة الروح الخوف والرجاء ، وهو فيهما يتنعم ، ونعمة القلب اليقين والإيمان ، وهو فيها يتقلب ، ونعمة العقل الحكمة والبيان ، وهو فيهما يتقلب ، ونعمة المعرفة الذكر والقرآن ، وهو فيهما يتقلب ، ونعمة المحبة الألفة والمواصلة والأمر من الهجران وهو فيهما يتقلب ، وهذا تفسير قوله : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها).
(أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١) إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٢٢) لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٢٥) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٦) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (٢٧) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩))
قوله تعالى : (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) من أمانة الحق بموت الحرمان عن حياة العرفان ، كيف يحي بحياة لا موت فيها ، فالجاهلون في غمرات هوة الجهالة ، والعارفين في حياة المشاهدة ، أماتهم حيث طردهم عن أبواب لطفه ، فهم يعمهون في ظلمات القهر وما يشعرون سبل الحياة وطريق النجاة ، فمثالهم مثل الأصنام التي لا أرواح فيها ، ولا استعداد لها لقبول الحياة ، فكذلك أهل الجهل به ليس لهم استعداد قبول حياة المعرفة