بحال.
قال الواسطي : الأشياء كلها أقل من الهباء في الهواء ، كيف تظهر في الذات.
قال تعالى : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) في ذاته وكيفيته ؛ لأنه ليس كمثله شيء ، وأما صفاته التي أظهرها للخلق كسوة لهم إبقاء وعزّا ، وقال : لا تضربوا لله الأمثال في صفاته وذاته ؛ لأن الصمدية ممتنع عن الوقوف على ماهية ذاته وكيفية صفاته.
وقال : إنما ضرب الأمثال وأكثر فيها من المقال جذبا للسرائر ، وأن تفنى عن حضورها فيما أسند إليها ، ثم إنّ الله سبحانه ضرب مثل عبدين الممسك والمنفق بقوله : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ) إنّ العبد المملوك لنفسه أسير في يدها عاجز لا يقدر أن يميتها ويرضى بموتها صانعه ، ولا يقدر على أن يملك قلبه ، ويرى ما فيه من عجائب الذكر ولطائف الفكر ، وكيف ينفق وخزانته قلبه ، وهو لا يقدر على خزانته ؛ لأنّ قلبه مسلوب النفس ، والشيطان ، والعبد الموفق الذي هو مرزوق رزق معرفة الله وحكمته وإلهامه ورشده وتوفيقه وأرزاقا حسنة من مشاهدته وجماله ، فهو ينفق نفسه ووجوده وماله لله ، ولأوليائه ، وينفق لطائف حكمته على طلاب الله ، كيف هذان العبدان يستويان في العبودية ومعرفة الربوبية ، فعند الجهّال يستويان ؛ بل إنهم يقبلون من يليق بمذهبهم من أهل الجهل والبخل والغباوة.
لذلك قال سبحانه : (الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) لا يعرفون العارف من الجاهل ، والصادق من المرائي ، حمد نفسه تعالى بأن الجهال لا يعرفون مقادير أهل قربه ، ولو عرفوهم لشغلوهم عنه ، فإذا بقوا أهل الحق مع الحق بلا شغل ولا شاغل.
ألا ترى إلى قوله صلىاللهعليهوسلم : «يأتي على الناس زمان يكون المنكر معروفا والمعروف منكرا» (١).
ومن إشارة اعتبار المثلين ينبغي أن العبد يكون مملوك لله طوعا ، ولا ينظر إلى شيء من وجوده وأعماله ، فإنه مفلس عاجز عن القدرة بين يدي الله ، وهذا صفة أهل المعرفة.
قال بعضهم : أخبر الله عن العبد وصفته فقال : (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) فمن رجع إلى شيء من علمه وحاله وعمله ؛ فإنه المتبرئ من العبودية ، وهو في منازعة الربوبية ، والعبودية هي التجلي مما سوى معبوده ، يرى الأشياء به ويرى نفسه له.
(وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٧٧) وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ
__________________
(١) رواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (١٣ / ٢٨٦) بنحوه.