الأنبياء على جميع الأمم ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم هو المزكي المقبول ، فمن قدّمه فهو المقدم ، ومن أخّره فهو المؤخر ومن تعلق به نجا ، ومن تخلف عنه هلك ، قال الله : (وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً).
وقال الواسطي : (أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) وإنما خوطبت به دون غيرك ، لأنك أهل المخاطبة ، وخوطبوا جميعا تبعا لك فبين لهم مرادنا فيما خوطبوا به ، فإن إليك البيان.
وقال أبو عثمان المغربي : في الكتاب تبيان كل شيء ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم هو المبين لتبيان الكتاب ، ثم وصف كتابه بعد وصفه بأنه مبين علوم جميع صفاته وأسمائه ونعوته وذاته بأنه مع أنه تبيان طريق معارفه وكواشفه هاد للمسترشدين طريق معرفة وجدانيته وفردانيته ، ورحمة على أحبائه بأن يخاطبهم به من حيث داء محبته في قلوبه يسمعهم خطابه وأناجيله الذي فيه أنباء غرائب لطفه بأوليائه ، وعجائب صنعه بأحبائه وأصفيائه ؛ ليستأنسوا بخطابه وسماعه ، ويتواجدوا بلذة كلامه ، وذلك نعمة تامة ورحمة كافة عليهم وعلى جمهور سلّاك الطريقة وقصّاد الإرادة ، وبشرى لكل مقبل إليه ، واقف عليه ، ومنقاد بين يديه ، بنعت الخضوع والتسليم ، يبشرهم برضوانه الأكبر ووصاله الأوفر لهؤلاء المخاطبون بهذه الحقائق ، يؤكدهم الله الأمر عليهم بأن يعدلوا بين خلقه ويواسيهم بإحسانه ، ورفقهم لهم برحمة ، وينهاهم عن مباشرة حظوظهم ، والحسد على إخوانهم بقوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) إنّ الله سبحانه دعا العباد إلى الاتصاف بصفته ، منها العدل والإحسان والشفقة والرحمة والقدس والطهارة عما لا يليق به ، فهو العادل والمحسن والرحمن والرحيم غير ظالم جائز ، وهو منزّه عن جميع العلل ، فمن كسي أنوار هذه الصفات بنعت الذوق والمباشرة ، وحلّاه بزينتها يخرج عادلا محسنا ، رءوفا رحيما ، طاهرا مطهرا ، صادقا مصدقا ، وليّا ، حبيبا محبوبا ، مريدا مرادا ، مراعى محفوظا ، يعدل بنفسه فيدفعها عن الشرك والشك ورؤية الغير وطلب العوض في العبودية ، ويأخذ منها الاتصاف بينها وبين عباد الله بألا يرى عيب غيرها ، بل يرى عيبها في جميع الأوقات ، وينصف بين عباد الله ، ويحسن إلى من أساء إليه ، ويعبد الله بوصف الرؤية وشهود غيبه ، ويراعي ذوي القرابة في المعرفة والمحبة من المريدين الصادقين ، ويرحم الجهال من المسلمين وينهى نفسه عن مباشرة فواحش دعاوى الأنائية ، ومباشرة الهوى والشهوة ، ويدفعها عن الظلم باستكباره عن العبودية ، ويأمرها بإذعانها عند تراب أقدام أولياء الله ؛ ليكون مطمئنا في عبودية الحق ذاكرة لسلطان ربوبيته ، وقهر جبروته وملكوته ، وإحاطته بكل ذرة وفناء الخليفة.
قال الساري : ليس من العدل المقابلات بالمجاهدات ، والعدل رؤية المنّة منه قديما