وحديثا ، والإحسان أن الاستقامة بشرط الوفاء إلى الأبد ، لذلك قال : استقيموا ولن تحصوا.
وقال بعضهم : العدل والإحسان ما استطاعها آدمي قط ؛ لأن الله عزوجل يقول : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا) وكيف تستطيع أن تعدل بينك وبين الله في استيفاء نعمه وتضييع وعظه وحكمه ، وليس من العدل أن تفتر عن طاعة من لا يفتر عن برك والإحسان هو الاستقامة إلى الموت ، وهو «أن تعبد الله كأنك تراه» (١) كالمروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم وقال صلىاللهعليهوسلم : «استقيموا ولن تحصوا» (٢).
أخبر أنه لا يقدر أحد أن يعدل بين خلقه ، فكيف يعدل بينه وبين ربه والفحشاء الاستهانة بالشريعة ، والمنكر الإصرار على الذنوب ، والبغي ظلم العباد ، وظلمه على نفسه أفظع.
قال الواسطي : العدل ألا يوافق العبد غير ربه ، ولا يطالع غير حده ، والإحسان ألا يرى حسنا إلا من الله ، وإيتاء ذي القربى ، فلا قريب أقرب إليك ممن أنت له وبه وإليه ، وأفحش الفحشاء إضافة الأشياء إلى غيره ملكا وإيجادا ، وأنكر المنكر رؤية الأشياء من غير الله ولغير الله ، وأقبح البغي تلوين النعوت ورؤيتها بالعلل لعلكم تذكرون ، تعرفون فضله عليكم بالموعظة (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي : عسى أن تذكروا نعمه عليكم.
ومن جملة ما يتعلق بالعدل والإحسان ، الوفاء بعهد الله في عبوديته بقوله : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) هذا العهد عهد الأرواح مع الله حين خرجت من العدم بمحبة القدم والعبودية لربوبيته ، خالصا من إيثار الشيء عليه من العرش إلى الثرى ، عهد الله معها أنه تعالى آواها على نعت الديمومية إلى مشاهدة الأبدية ، وعهدها مع الله خروجها مما لا يليق بالعبودية ، فحقيقة الوفاء بالعهد من الطرفين يتعلق بعناية الله ورعايته وكل الاجتهاد من العباد يبدو منها ، فإن وقع النقض على عهدنا من غيره السابقة في الأزل ، وتغير عهدنا بحيث تتغير صفاتنا من حال الاستقامة إلى حال الفترة ، فلم يقع النقض ، والنقض في عهد الله ؛ لأنه منزه عن التغايير الحدثانية ، وهو ذو رحمة واسعة يفي بعهده ولا علة عليه.
قال الله تعالى : (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ).
قال النصر آبادي : أنت متردد بين صفتين ، صفة الحق وصفتك ، قال تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ).
__________________
(١) رواه البخاري (٤٤٠٤) ، ومسلم (٩).
(٢) رواه أحمد في مسنده (٢١٣٤٤) ، وابن ماجه (١ / ٣٢٦) ، والدارمي (١ / ١٧٤).