وقال : (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) إلى أيهما نظرت فإنك الأحرى ، ثم العهود مختلفة ، وفي الأقوال عهود ، وفي الأفعال عهود ، وفي الأحوال عهود ، والصدق مطلوب منك في جميع ذلك ، وعلى العوام عهود ، وعلى الخواص عهود ، وعلى خواص الخواص عهود ، فالعهد على العوام لزوم الظواهر ، والعهد على الخواص حفظ السرائر ، والعهد على خواص الخواص التجلي من الكل لمن له الكل.
وقال : من حمل الحمد بنفسه وحوله نقضه في أول قدم ومن حمله بالحق حفظ عليه عهده ومواثيقه.
وقال الواسطي : تقدمت العهود في الميثاق الأول ، فمن أقام على وفاء الميثاق فتح له طريق الحقائق وقتا بعد وقت ، ومن خان في الميثاق بقي مع وقته وأغلق دونه مسالك رشده.
وقد وقع لي نكتة ها هنا من قوله سبحانه : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) إن كان العهد واليمين وقعا من جانب العباد في الأزل تحقق لهم الاختيار في الوفاء بالعهود والأيمان ، وإن وقعا من الحق صرفا ، وعهد العباد وأيمانهم من نتائجهما وفرعهما ، فقد سقط عنه الاختيار المنزه عن عوارضات التلوين ، وتغير الزمان والمكان.
(ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦))
قوله تعالى : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أخبر سبحانه أن كل وارد يرد على قلوبهم من موارد القرب الإلوهية يجري ولا يثبت ، ويبقى لهم أصل الأصل ، وهو مشاهدة جلاله وعزته ، وأيضا ما عندكم من المعارف ينفذ في سبحات جماله المعارف ، وما في عنديته من أنوار الذات والصفات التي يبدو منها جميع المعارف باقية للعارفين المحبين ، فإنّ بنقص المعارف لا ينقص الكواشف ، وإنّه بنقص الأعمال لا ينقص الأحوال.
ثم أخبر أنه يجازي المحبوسين في قيود إسراء بلاء محبته ، وامتحان شوقه ، وبلاء عشقه بمشاهدته ، وكشف جماله لهم بأحسن ما يرجون منه ، فإن رجاءهم على قدر هممهم ، وهممهم على قدر نياتهم ، ونياتهم على قدر قصودهم ، وهي كلها معلولة مقصورة وأجر جماله ووصاله غير محسوب من حيث وجود الخلق والخليقة.
قال تعالى : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ).
قال بعضهم : ما منكم من الطاعات فإنها فانية ، وما منّي إليكم من جزاء أعمالكم فهو