صبره بالله لا بنفسه ؛ فقال : (وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ).
قال النوري : في هذه الاية هو الصبر على الله بالله.
قال الأستاذ : (وَاصْبِرْ) تكليف ، و (وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) تعريف.
ويقال : (وَاصْبِرْ) تعنيف ، و (وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) تخفيف ، (وَاصْبِرْ) أمر بالعبودية ، (وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) إخبار عن حق الربوبية ، ثم أخبر سبحانه بألا تنظره إلا إلى سوابق التقدير ، حتى لا تحزن على موارد التدبير ، بقوله : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) أي : انظر إلى مرادنا منهم ، ولا تنظر إلى مرادك منهم ، فإن أمر الربوبية سابق على أمر العبودية.
قال ابن عطاء : كان النبي صلىاللهعليهوسلم لم يكن يضيق بهم صدرا ، ولكنّ الله تعالى حذّره ما هو موهوم في البشرية ، وإن كان هو منزّها عنه.
قال الأستاذ : طالع التقدير فيما لا تجعله حظرا عندنا ، لا ينبغي أن يوجب أثرا فيك ، ومن أسقطنا قدره فاستصغر قدره وأمره ، ثم تسلّى قلب نبيه صلىاللهعليهوسلم بأنه تعالى مع متّق صادق شاهد محسن بقوله : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) أي : مع الذين عظّموا الله برؤية عظمته ، وأجلوه بإجلاله ، وتبرؤا به عن غيره ، وهم في حال الإحسان في جمال مشاهدته ، هائمون في بهاء وجهه ، وأنوار قدسه ، فهو معهم من حيث لا هم ، أفناهم به عن وجودهم ، ثم أبقى نفسه لهم بعد فنائهم عنه فيه له.
قال ممشاد الدينوري : رأيت ملكا من الملائكة يقول لي : كل من كان مع الله فهو هالك ، إلا رجل قلت : ومن هو ، قال : من كان الله معه ، وهو قوله : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ).
قال بعضهم : من اتقى الله في أفعاله أحسن الله إليه في أحواله.
وعن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر قال : التقوى مع الله ، والإحسان إلى خلق الله.
قال الواسطي : التقوى : كيف اتقى؟ وماذا يتقي؟ ولماذا يتقى؟
وقال الأستاذ : (الَّذِينَ اتَّقَوْا) رؤية البصيرة من غيره والذين هم أصحاب التبرّؤ من الحول والقوة ، والمحسن الذي يعبد الله كأنه يراه ، وهو حال المشاهدة.
***