الخلق في أمر القدرة ، فتشكر من أجاب ، وتعذر من أبى وفي قوله : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الجدال الحسن أن تدلّهم إلى الله بالله ، تعرف ذاته وصفاته ، بما وجدت من كرمه ولطفه ، شفقة ورحمة على خلقه.
قال بعضهم : هي التي فيها من حظوظ النفس شيء ، ولا يرى أنه الممتنع من قبول الموعظة ، فيغضب عليه (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) فلا ينجح فيه قولك (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) الموفقين الذين شرحت صدورهم لقبول ما أتيت به.
قال سهل : السبيل الذي أمر الله تعالى نبيه عليهالسلام أن يدعو إليه ، هو الإيمان بالله ، فإنه طريق ممدود من الدنيا إلى الاخرة.
وزاد تعالى تأكيدا باستعمال الكرم والخلق ، والعفو والصبر ، بقوله : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) دفع الانتقام لحظ النفوس ، وأجاز الانتقام له لا لغيره ، والصبر في المكاره ، والامتحان منتهى مقام المجتهدين ، الأول يتعلق بمقام المبتدئين ، والصبر يتعلق بمقام الراضين ، والمريد منغمس في أنوار الشريعة ، والعارف مستغرق في بحر الربوبية ، الأدب شعار المريدين ، والرضا مقام المختارين.
قال الجنيد في قوله : (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ) : ولم تعاقبوا لها خير للصابرين التاركين العقوبة ، التي أباح العلم فعلها بالأدب الذي يتبعه بالأمر ، ويلزمه بالترغيب ، أنه خير للصابرين ، ثم بيّن سبحانه أن ذلك الصبر الذي هو خير للصابرين لا يكون إلا بالله بقوله : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) أي : صبرك في بلائه لا يكون إلا بكشف جماله لك ، وأيضا أي : ما صبرك إلا بعد تخلقك بصبره ، وأيضا (وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) أي : الله عوض صبرك ، وأيضا صبرك بالله ، لا بنفسك ، فإن بلاءه لا يحتمله إلا هو.
وقال الواسطي في هذه الاية : أخبر بأنه هو الذي تولاهم بحجبهم عند المعاينة في الحضرة عن الحضرة ، وهم ثلاث طوائف عند اللقاء ، طائفة تسر مدت بقيومية دوامه وأزليته ، فلم تجر عند اللقاء عليها آفة باتصال أنوار السرمدية بأنوار الأبدية ، وطائفة لقيته في زينته ، وحسن نظره واختياره ، فغمزهم في نعمته وحجبهم بكرامته ، فهي متلذذة بنعمة محجوبة عن حقيقته ، وطائفة يثبت شواهد طاعاتها وزهدها ؛ فقال لهم مرحبا بمقدمكم فحجبهم في نفس ما خاطبهم.
وقال ابن عطاء : يأمره ويبرئه.
وقال جعفر : أمر الله أنبياءه بالصبر ، وجعل الحظ الأعلى منه للنبي صلىاللهعليهوسلم ، حيث جعل أمر