ثمّ بيّن أنّ ساعي الدنيا وساعي الاخرة كل واحد على جزاء سعيه بقدر همته بقوله : (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) : وصف عدله سبحانه وتعالى ألا يخيب رجاء كل مؤمن ؛ لأن عطاءه غير ممنوع ، فجازى الكل بقدر الهمم ، فعطاء الدنيا حظ النفوس ، وعطاء الاخرة حظ القلوب.
قال علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد ـ عليهمالسلام ـ : عطايا الدنيا غفلة من الله ، وعطايا الاخرة القربة من الله.
ثم بيّن سبحانه تفاضل الفريقين بقوله : (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) : فضّل العابدين بعضهم على بعض في الدنيا بالطاعات ، وفضل العارفين بعضهم على بعض في الدنيا بالمعارف والمشاهدات ، فالعباد في الاخرة في درجات الجنان متفاوتون ، والعارفون في درجات وصال الرحمن متفاوتون.
(انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (٢١) لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (٢٢) وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (٢٤) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (٢٥) وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (٢٧) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (٢٨))
قال تعالى : (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) : صفو الوصال التفات بلا عتاب حصول المراد بلا حساب.
قال ابن عطاء : من تولّاه الله بضرب من العناية وتوالت أعماله كلها لله فله فضل الولاية على من دونه.
قال الله : (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) : فالفضيلة تقع فيما بين الخلق والخلق ، لا تكبر عنده الطاعات ، ولا تغضبه المخالفات.
قال الواسطي : (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) بالمعرفة والإخلاص والتوكل.
وقال في قوله : (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ) : بدرجات السوابق يصل العبد إلى