وقال الأستاذ : من عظيم نعمته سبحانه على أوليائه تنزيههم بأساريرهم في رياض ذكره بتعداد أسماء الحسنى ، فينقلبون من روضة إلى روضة ، ومن مأنس إلى مأنس.
ويقال : الأغنياء ترددهم في بساتينهم وتنزهم في منابت رياحينهم ، والفقراء تنزههم في مشاهدة تسبحيهم ، يسترحون إلى ما يلوح لأسرارهم من كشوفات جماله وجلاله.
(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي : أظهر الكمالات الإلهية والصفات الرحمانية التي لا تكون إلا للذات الأحدية.
(الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) أي : لم تكن علة الموجود من جنسه ؛ لضرورة كون المعلول محتاجا إليه ، ممكنا بالذات ، معدوما بالحقيقة ، فكيف يكون من جنس الموجود حقّا الواجب بذاته من جميع الوجوه؟
(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ) من يساويه في قوة القهر والمملكة من الشريك في الملك ؛ وإلا لكانا مشتركين في الوجود والحقيقة ، فامتياز كل واحد منهما عن الاخر لا بدّ وأن يكون بأمر غير الحقيقة الواجبية ، فلزم تركبهما فكانا كلاهما ممكنين لا واجبين.
وأيضا : فإن لم يستقلا بالتأثير لم يكن أحدهما إلها ، وإن استقل أحدهما دون الاخر فذلك هو الإله دونه ، فلا شريك له.
وإن استقلا جميعا لزم اجتماع المؤثرين المستقلين على معلول واحد إن فعلا معا وإلا لزم إلهية أحد هما دون الاخر رضي بفعله أو لم يرض.
(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ) أي : لم يكن له ناصر علة كان أو جزء علة تقويه وتنصره من ذلة الانفعال والعدم ، وإلا لم يكن إلها واجبا بل ممكنا ؛ لتكون حبيبا قائما به لا بنفسك.
(وَكَبِّرْهُ) من أن يتقيد بصفة دون أخرى ، وصورة غير أخرى ، أو يلحقه شيء من هذه النقائض ، فينحصر في وجود خاص ، تبارك وتعالى عن ذلك علوّا كبيرا.
(تَكْبِيراً) لا يقدر قدره ، ولا يعرف كنهه ، لامتناع وجود شيء غيره يفضل عليه وينسب إليه ، بل كل ما يتصور ويعقل ، ولا تكبر غيره بهذا التكبير.
ثم إن الله سبحانه أمر حبيبه وصفيه صلىاللهعليهوسلم بأن يحمده ؛ لأنه كان أهل المدح والحمد بالحقيقة لا غير ، أمره بحمده بأن أخبره عن تنزيه قدمه عن إشارة كل مبتدئ إلى ابتدائه ؛ لأن ابتداءه منزه عن كل ابتداء ، فإن ابتداء قدمه هو القدم ، وقدم القدم منزه عن حصر الزمن ، وقدم قدمه مع تنزيهه عن العدد ، وعلة الابتداء لم يكن محلا للحوادث بقوله : (لَمْ يَتَّخِذْ