والوصف ، وفني القلب في الصفة ، وإذا فني القلب ذكره الروح بالذات ، ففنيت الروح في القدم ، وإذا فنيت الروح ذكره السر بباطن العلم ، ففي السر في الغيب ، وذكره سر السر في غيب غيبه ، فلم يبق في البين رسم ولا اسم ولا وصف من حيث العبودية ، وبقي الاسم ، والمسمى واحد في واحد.
(قُلِ ادْعُوا اللهَ) بالفناء في الذات الجامعة لجميع الصفات.
(أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) بالفناء في الصفة التي هي أم الصفات.
(أَيًّا ما) طلبت من هذين المقامين لست هناك بموجود ، ولا لك بقية ولا اسم ولا عين ولا أثر ؛ إذ الرحمن لا يصلح اسما لغير تلك الذات ، ولا يمكن ثبوت تلك الصفة أي : الرحمة الرحمانية لغيرها ، فلا يلزم وجود البقية بخلاف سائر الأسماء والصفات.
(فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) كلها في هذين المقامين لا لك.
(وَلا تَجْهَرْ) في صلاة الشهود بإظهار صفة الصلاة عن نفسك ، فيؤذن بالطغيان ظهور الأنائية.
(وَلا تُخافِتْ بِها) غاية الإخفات ، فيؤذن بالانطماس في محل الفناء دون الرجوع إلى مقام البقاء ، فلا يمكن لأحد الاقتداء بك.
(وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) يدل على الاستقامة ولزوم سيرة العدالة في عالم الكثرة ، وملازمة الصراط المستقيم بالحق (١).
قال تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨] ، فإذا كان العبد في قوله : «الله» هكذا أو في قوله : «الرحمن» هكذا فهو مصدر صفة القدم والبقاء ، وهو مصدر القدرة والحياة ، فإذا قال : «الله» يفنى الكل ، وإذا قال : «الرحمن» يبقى الكل ، من حيث الاتصاف والاتحاد ، فالاتصاف بالرحمانية يكون ، والاتحاد بالألوهية يكون.
قال الحسين : ما دعا الله أحد قط إلا إيمانا ، فأما دعوة حقيقة فلا.
قال الواسطي : أسماؤه لا تدخل تحت الحصر ، وذاته ليس بمشار إليه ، ولا بموصوف بصفة حقيقية ، إلا بصفة المدح والحق ، وهو الخارج عن الأوهام والأفهام ، فأنّى له النعوت والصفات!
__________________
(١) أي : طريقا وسطا بين الإيمان والكف ، ولا واسط ، إذ الحق لا يختلف ، فإن الإيمان بالله إنما يتم برسله وتصديقهم فيما بلغوا عنه ، تفصيلا وإجمالا ، فالكافر بالبعض كالكافر بالكل في الضلال. انظر : البحر المديد (٢ / ١٠).