مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨) وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (٢٠))
قوله تعالى : (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ) أخبر سبحانه عن صدقهم وإخلاصهم وفرحهم بالإيمان بالله ، والنجاة عن الكفر والضلال ، واجتماعهم في مقام الخلوة أي : إذا أخرجتم من أماكن النفوس والهوى ، صرتم منفردين باليقين الصادق ، فأووا إلى جوار كرمه وبساط قدمه (يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ) ذخائر لطائف علومه الغيبية ، ويبسط لكم بساط عطايا مشاهدته ، وأنوار قربه ومحبته (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً) أي : احتياجكم إلى وصاله ورؤية جماله (مِرْفَقاً) مسند الأنس ، ويسقيكم شراب الزلفى من بحر القدس.
قال الأستاذ : العزلة عن غير الله يوجب الوصل بالله ؛ بل لا يحصل الوصلة بالله ؛ إلا بعد العزلة عن غير الله.
ثم أخبر عن زيادة تلطفه بهم ؛ بأن دفع عنهم تواثير العناصر التي أصلها من طبع الشمس والقمر والسيادة ، ودفع عنهم حرارة الشمس وشعاعها ؛ لئلا تتغير أشباحهم عن أحكام الروحانية ، كأنه تعالى أدخلهم في حجلة الأنس في عالم القدس ، وجعل ذلك العالم في الكهف ، وهو قادر على أن يخلق ألف جنة في عين نملة ، فلما سكنهم في حجر وصلته دفع عنهم تغاير الحدثية ، وإطلاع الخليقة عليهم من غيرته ، فمن غيرته حجبهم عن الشمس الطالعة التي هي في الفلك الرابعة ، فإذا حجبهم عن الشمس مع جلالتها التي هي سبب نماء العالم ، فانظر كيف يطلع عليهم غيرها من الخلق.
(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ) أي : فارقتم نفوسكم وقواها بالتجرد (وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) من مراداتها وأهوائها (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ) إلى البدن ؛ لاستعمال الالات البدنية في الاستكمال بالعلوم والأعمال ، وانخذلوا فيه منكسرين متراضين ، كأنهم ميتون بترك الحركات النفسانية والنزوات البهيمية ، والسطوات السبعية أي : موتوا موتا إراديّا.