وقال جعفر : قاموا إلى الحق بالحق قيام أدب ، ونادوه نداء صدق ، وأظهروا له صحة الفقر ولجئوا إليه أحسن اللجاء (فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) افتخارا به وتعظيما له فكافأهم الحق على قيامهم الإجابة عن ندائهم بأحسن جواب ، وألطف خطاب ، أظهر عليهم من الايات ما يعجب منه الرسل حين قال : (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً) وقد استدل بعض المشايخ بهذه الاية في حركة الواجدين في وقت السماع ؛ لأن القلوب إذا كانت مربوطة بالملكوت ومحل القدس حركها أنواع الأذكار ، وما يرد عليها من فنون السماع.
والأصل قوله : (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا) نعم هذا المعنى إذا كان القيام قياما بالصورة ، وإذا كان القيام من جهة الحفظ والرعاية والربط من جهة النقل من محل التلوين إلى محل التمكين والاستدلال بها في السكون في الوجد أحسن إذا كان الربط بمعنى التسكين ، والقيام بمعنى الاستقامة.
ويقال : (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) بما أسكنا فيها من اليقين فلم تسبح فيها هواجس التخمين ولا وساوس الشياطين.
(هؤُلاءِ قَوْمُنَا) إشارة إلى النفس الأمارة وقواها ، لأن لكل قوم إلها تعبده ، وهو مطلوبها ومرادها والنفس تعبد الهوى كقوله : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) [الفرقان : ٤٣]
وإلى أهل زمان كل من خرج منهم داعيا إلى الله إذ كل من عكف على شيء يهواه ، فقد عبده.
(لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ) أي : على عبادتهم وإلهيتهم وتأثيرهم ووجودهم.
(بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ) أي : حجة بينة دليل على فساد التقليد ، وتبكيت بأن إقامة الحجة على إلهية غير الله ، وتأثيره ووجوده محال.
كما قال : (أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) [الأعراف : ٧١] أي : أسماء بلا مسميات لكونها ليست بشيء.
(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً (١٦) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ