قال الجنيد في قوله : (وَزِدْناهُمْ هُدىً) جعلناهم أئمة المهتدين.
وقال بعضهم : سهّلنا لهم طريق القرية والوصلة.
ويقال : لا يسمع قصة الأحباب أعلى وأجل مما يسمع من الأحباب.
قال عز من قائل : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِ).
وأنشد في معناه :
وحدّثني يا سعد عنها فزدتني |
|
جنونا فزدني من حديثك يا سعد |
ويقال : فتية ؛ لأنهم قاموا بالله ، وما استقروا ؛ حتى وصلوا إلى الله.
وقال الأستاذ : (وَزِدْناهُمْ هُدىً) لاطفهم بإحضارهم ، ثم كاشفهم بما زاد من أنوارهم فلقاهم أولا بالنبيين ، ثم رقاهم عن ذلك إلى ما كان كاليقين ، ثم زاد في وصف إيقانهم وإيمانهم ، وعرفانهم ثبات قلوبهم ؛ حين قاموا مقام المحبة ؛ بشرط وفاء العبودية ، ونفاذ أبصارهم وأسرارهم في المشاهدة والبراهين العقلية ، وبلوغها إلى رؤية رب العزة بقوله : (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) أضاف ارتباط قلوبهم إلى نفسه ؛ حيث عرّفهم نفسه بنفسه بلا واسطة ، فلما أدخلهم في عالم الملكوت ، وأراهم سبحات عظمة الجبروت ، كادت قلوبهم تفنى في أول بوادي أنوار العزة ، بديهة كشف سناء الأولية فألقى عليها رواسي نوار الهيبة ، وربطها على مشاهد القربة بمسامير المحبة ؛ حتى استقاموا في المعرفة حين قاموا بالشوق إلى مشاهدة الوصلة ، فلما عظم عليهم قهر لطمات بحر القدم ألجأهم الحق إلى سواحل الكرم ، وأشهد ما أخرج من العدم ؛ حتى (فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ولولا خوف الزوال لهم ما غابوا عن القدم إلى مراسم العدم ، ولكن قلوبهم في مواقف العدم مرتبة ، وإن كانوا في مشاهدة الرسوم لهم إشارة إلى براهين.
بقوله تعالى : (لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً) أي : لن نرى من دونه شيئا في البين ، ولو نرى الوسائط في رؤية الوسائط (لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً) أي : ميلا عن طريق إفراد القدم عن الحدوث.
قال ابن عطاء : رسمنا أسرارهم بسمة الحق فقاموا بالحق للحق (فَقالُوا رَبُّنا) إظهار إرادة ، ودعوة.
ثم قالوا : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) رجوعا من صفاتهم بالكلية إلى صفاته ، وحقيقة علمه (لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً) لن نعتمد سواه في شيء لو قلنا غير ذلك كان شططا يعني بعيدا من طريق الحق.