الْأَعْلى) [النازعات : ٢٤].
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً (١٥))
قوله تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِ) وليس شيء أطيب عند الحبيب من ذكر أحبائه لأحبائه ، ذكر الحبيب الأول ، ما الحبيب عند الحبيب استطاب الحق ذكر قصة فتيان محبته ومعرفته لحبيبه الأكبر ؛ ليعرف منازل المحبين والعارفين الذين هاموا بوجوههم في بيداء شوقه وعشقه ؛ ليزيد رغبته في شوقه ومعرفته أي : أنا أحقق خبر أسرارهم لك ؛ لتعرفهم أين تاهوا في مفاوز القيومية ، وأين استغرقوا في بحار الديمومية؟
يا حبيبي اعلم أن تلك فتيان محبتي انفردوا بي عن غيري ، وهم شبان حسان الوجوه قلوبهم مسفرة بأنوار شمس جلالي فيها ، وأسرارهم مقدسة بسر أسرار قدسي ، أبدانهم غائبة في مجالس أنسي آمنوا بربهم عرفوني بي ، واستأنسوا بي واستوحشوا من غيري ، ما أطيب حالهم معي ، ما أحسن شأنهم في محبتي زدناهم نورا من جمالي ، فاهتدوا به طرق معان ذاتي وصفاتي ، وذاك النور لهم على مزيد الوضوح إلى الأبد ؛ لأن نوري لا نهاية له.
وأيضا : زدناهم مشاهدة وقربا وصالا ومعرفة وكمالا ومحبة وشفاء.
قال الله تعالى : (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ) الاية.
(إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ) أصحاب الفتوة حيث بذلوا أنفسهم لي ، ولوجدانهم حسن وصالي أبدا.
يا حبيبي الفتوة : من الفتيان بالحقيقة طلب معادن المحبة ، والانصراف إلى مصرف المعرفة ، وإلقاء الوجود بنعت الوجد للموجود القديم جل وعز.
قال ابن عطاء : زدناهم نورا ، ومن يعرف قدر زيادة الله ؛ لذلك كانت الشمس
(تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ) خوفا من نورهم على نورها أن يطمسه.
وقال أيضا في قوله : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِ) لتنظر إليهم بعين المشاهدة.
وقال سهل : سماهم الله فتية ؛ لأنهم آمنوا بالله بلا واسطة ، وقاموا إلى الله بإسقاط العلائق.
وقال فضيل : الفتوة الصفح عن عثرات الإخوان.
قال أبو عثمان : الفتوة اتباع الشرع والاهتداء بالسنن ، وسعة الصدر ، وحسن الخلق.