وهم في فجوة وصال مشاهدة الجمال والجلال ، محروسون محفوظون عن قهر سلطان صرف ذات الأزلية التي يتلاشى الأكوان في أول بوادي إشراقها ، وأي آية أعظم من هذه الاية أنهم في وسط نيران الكبرياء ، ولا يحترقون بها فبقوا بالحق مع الحق مستأنسين بالحق للحق بنعت فقد الإحساس في مقام الاستئناس غائبين عنهم شاهدين بالله على الله.
انظر كيف كان كمال غيرة الله بهم ، حيث حجبهم عنهم ، ورفع الإحساس عنهم ، ورفع حوادث الكون عنهم ؛ ليكون الكشف أصفى ، والقرب أجلى ، والسر أخفى ، والمشاهدة أشهى والروح أدنى ، والوقت أحلى ، ولا يعرف هذه الإشارة إلا العارف بالله بنعت الذوق ، ويرى الله بوصف الشوق المستقيم بالله لله.
قال الله تعالى : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) من عرف نفسه ، وأقدار أوليائه فهو عارف بالله وبأوليائه ، ومن لم يكن من أهل سلوكه ، كان في الأزل محروما عن قربه ، وإن خنق نفسه في المجاهدة.
قال الله : (وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً).
من لم يكن للوصال أهلا |
|
فكلّ إحسانه ذنوب |
سبحان الله! أين غابوا تلك السبعة الغارقة في أماكن الغيب ، ومشاهدة الرب هام طلابهم في بوادي المعارف والكواشف ، ولم يظفروا برؤيتهم ، وانحسرت الأزمان ، والأكوان والحدثان عن تفقدهم ، ولا تطلع عليهم من غيره الحق عليهم هم ملوك معارف القدم؟ غابوا في مهمة الكرم.
بأيّ نواحي الأرض أبغي وصالكم |
|
وأنتم ملوك ما لمقصدكم نحو |
(وَتَرَى الشَّمْسَ) أي : شمس الروح (إِذا طَلَعَتْ) أي : ترقت بالتجرد عن غواشي الجسم ، وظهرت من أفقه تميل بهم من جهة البدن ، وميله ومحبته إلى الإلهام ، والشيطان للوسواس (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التوبة : ١٢].
وفي الاية لطيفة ، وهي أنه استعمل في الميل إلى الخير الازورار عن الكهف ، وفي الميل إلى الشر قرضهم أي : قطعهم ، وذلك أن الروح يوافق القلب في طريق الخير ، ويأمره به ويوافقه معرضا عن جانب البدن وموافقاته ، ولا يوافقه في طريق الشر ، بل يقطعه ويفارقه وهو منغمس في ظلمات النفس وصفاتها الحاجبة إياه عن النور ، وهو إشارة إلى تلوينهم في السلوك ، فإن السالك ما لم يصل إلى مقام التمكين ، وبقي في التلوين قد تظهر عليه النفس