وصفاته ، فيحتجب عن نور الروح ، ثم يرجع ذلك أي : طلوع نور الروح واختفاؤه من آيات الله التي يستدل بها ، ويتوصل منها إليه وإلى هدايته.
(مَنْ يَهْدِ اللهُ) بإيصاله إلى مقام المشاهدة والتمكين فيها (فَهُوَ الْمُهْتَدِ) بالحقيقة لا غير (وَمَنْ يُضْلِلْ) يحجبه عن نور وجهه ، فلا هادى له ولا مرشدا ، ومن يهد الله إليهم وإلى حالهم بالحقيقة ، ومن يضلله يحجبه عن حالهم.
قال ابن عطاء في قوله : (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ) ذلك لمعنى النور الذي كان عليهم بقوله : (وَزِدْناهُمْ هُدىً) نور على نور ، وبرهان على برهان ، والشمس نور ، ولكن إذا غلب نور أقوى منها انكسفت الشمس فكانت تزيغ عن كهفهم ؛ لغلبة نورهم خوفا أن ينكسف نورها من غلبة نورهم.
وقال جعفر : يمين المرء قلبه ، وشماله نفسه ، والرعاية تدور عليهما ، ولولا ذلك لهلك.
وقال ابن عطاء في قوله : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) ما حجب عن الله أحد إلا من أراد أن يصل إليه بحركاته وسعيه ، وما وصل إليه أحد إلا من أراد أن يصل إليه بصفته تعالى.
وقال الواسطي في قوله : (وَمَنْ يُضْلِلِ) من جاء بأوائل الإيمان بلا علة ، وبأواخره بلا علة ، وهذا صفة الحق لا صفة الخلق ، وظهر أن المهتدي هو البائن من جميع أوصافه ، المتصف بصفات الحق ثم زاد في وصفهم لحبيبه عليهالسلام بأنهم غائبون بأرواحهم في أنوار القدم ، وبأسرارهم في بحار الكرم ، وبعقولهم في أودية الهوية ، وبقلوبهم في قفار الديمومية ، وبأنفسهم في أشراف سلطنة الربوبية وبأشباحهم في أماكن المؤانسة ، بقوله :
(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ) أي : من كمال حسنهم في الغيبة أنه نشر أنوار القربة على ظاهرهم ، وأزال عنهم وحشة النومى ، وأظهر عن صورتهم لطائف النعمى كانت أرواحهم كأجسادهم ، وأجسادهم كأرواحهم ؛ لذلك قال صلىاللهعليهوسلم : «نحن معاشر الأنبياء أجسادنا روح» (١) كأنهم من كمال حسن وجدهم وغيبتهم فيه ، والتمكين لهم غير غائبين.
وانظر كيف كانوا في لطف غيبتهم ؛ حتى لا يعرف سيد المرسلين صلىاللهعليهوسلم أنهم رقود وهذا من شواهد التمكين ، ولطافة الحال لما حضروا مشاهد القرب ، غابوا عن القرب بالقرب ، وغابوا في القرب بالقرب ، وغابوا عن قرب القرب في قرب القرب ، وقعوا في أسفار الأزل ففي كل نفس لهم الترقي والنقل من مقام إلى مقام (٢) ؛ لقوله سبحانه :
__________________
(١) هو من الأحاديث التي ذكرها المصنف في كتبه ، ولم نقف على من خرجه.
(٢) في الاية إشارة إلى حال الغفلة ؛ فإنهم نائمون في صورة المنتبهين ، فمن نظر إليهم ممن هو مثلهم في الغفلة