لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦) وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٧) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨))
قوله تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) هذا تسلية لنبيه صلىاللهعليهوسلم فإنه كان عليهالسلام بقلبه في الملكوت ، وبروحه في الجبروت ، وبسره في مشاهدة القدم ، وبعقله في أنوار غيبه مشتاقا إلى الحق ، لا يصبر في الدنيا بأن يكون مع الخلق بالصورة ، وكان يريد أن يطير إلى منازل قاب قوسين كل وقت ؛ لما رأى بين القوسين بغير الكونين مشاهدة الجلال والجمال.
فقال سبحانه احبس نفسك مع هؤلاء الفقراء العاشقين بجمالي المشتاقين إلى جلالي ، الذين في جميع الأوقات يسألون عني لقاء وجهي الكريم ، ويريدون أن يطيروا بجناح المحبة إلى عالم وصلتي حتى يكونوا متسلين بصحبتك عن مقام الوصال ، فإن في رؤيتك لهم رؤية ذلك الجمال فتكون معهم موافقا وسرك وعقلك وروحك وقلبك عندي فإنها مواضع تجلي كبريائي وأسرار عزتي ، ولا يطيق الكون أن يكون في جوار قلبك ، فإن قلبك معادن أسرار العليين ، ومزار الكروبيين وهو عرش تجلي القدم ، ومعادن عيون الكرم ، ولا يليق به مصاحبة أهل العدم.
(وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ) (١) فإنهم ينظرون بعينك إليّ إذا كانت عينك في طلب مشاهدتي في مرآة أفعالي من الخلق والخليقة.
(وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ) بأن يواسيك برؤية الأكوان والحدثان ؛ لزيادة العرفان ، فإن الوسائط في الحقيقة تورث الغفلة عنا ، وهو سبحانه شغل قلوب الخلق بخلقه عن خلقه ، وحجبهم برؤية الخليقة عن مشاهدة الحقيقة ، فمن غافل سبب غفلته الجنة ، ومن غافل سبب غفلته خوف النار ، ومن غافل سبب غفلته استكبار العبودية ، ومن غافل غفلته رؤية الأعواض ، ومن غافل غفلته رؤية الكرامات ، ومن غافل سبب غفلته المجاهدات ، ومن
__________________
(١) أي : عين الأزل ، وعين الأبد ، وآثر عدم العدّ ، وحبس النفس معهم : أي الصحبة بهم في عالم الحسّ ؛ لأن هذه الصحبة أثر صحبة الروح ، فإن أرواح المؤمنين فائضة من نور محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ فهي كالأولاد له ، ولا شك أن الاباء والأولاد متصل بعضهم ببعض ؛ فهم في صحبة واحدة في المعنى ، والصورة فافهم جدّا.